ترميم معابد اليهود بمصر.. صفقة القرن تتسلل عبر التراث

صورة4 أحد البيوت التي كان تسكنها عائلة يهودية في حارة اليهود قبل الهجرة لاسرائيل. تصوير ميل مصور صحفي ومسموح باستخدام الصورة
أحد البيوت التي كان تسكنها عائلة يهودية في حارة اليهود بالقاهرة قبل الهجرة لإسرائيل (الجزيرة)

دعاء عبد اللطيف-القاهرة

في خطوة تبدو متناقضة مع الظروف الاقتصادية المتردية التي تمر بها البلاد؛ خصص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مبلغ مليار و270 مليون جنيه (71 مليون دولار) لترميم التراث اليهودي في مصر.

وقال وزير الآثار خالد العناني -خلال اجتماع بمجلس النواب- إن التراث اليهودي جزء من التراث المصري، مؤكدا أن الحكومة لن تنتظر أي دعم دولي، وأن المسألة ذات أولوية.

ويبلغ عدد اليهود في مصر حاليا ستة يهود فقط، بعدما بلغ العدد نحو مئة ألف قبل موجات الهجرة إلى إسرائيل وأوروبا في خمسينيات القرن الماضي.

الإعلان عن ترميم التراث اليهودي سبقه تصريح للسيسي خلال منتدى شباب العالم الذي عقد الشهر الماضي في مدينة شرم الشيخ (شرق القاهرة)، وأكد فيه عدم وجود موانع لبناء معابد لليهود، قائلا "لو لدينا يهود سنبني لهم معابد، لأن هذا حق المواطن في عبادة ما يشاء".

وفي وقت سابق، كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن تحالف عشرين منظمة خاصة باليهود ذات أصول مصرية في إسرائيل وحول العالم، للمطالبة بما أسموه "إنقاذ التراث اليهودي" الموجود في القاهرة والإسكندرية.

 معبد موسى بن ميمون بحارة اليهود في منطقة مصر القديمة (الجزيرة)
 معبد موسى بن ميمون بحارة اليهود في منطقة مصر القديمة (الجزيرة)

دعوة عامة
تحركات الحكومة وتصريحات مسؤوليها يبدو أنها شجعت الطائفة اليهودية لتحتفل الأسبوع الماضي، للمرة الأولى منذ عقود، بعيد "الأنوار"، وهو أكثر الأعياد اليهودية شعبية، وذلك في معبد "عدلي" بمنطقة وسط القاهرة.

حضر الاحتفال أعضاء جمعية "قطرة اللبن" المهتمة بالحفاظ على التراث اليهودي، ووفد يهودي أميركي مكون من 24 شخصا.

وكانت الطائفة اليهودية المصرية أعلنت عن الاحتفال على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ووجهت الدعوة لأول خمسين شخصا يبدون رغبتهم في الحضور بتعليق على المنشور، وهي المرة الأولى التي توجه فيها الطائفة دعوة عامة لحضور احتفال في المعبد اليهودي.

في حين أعلنت رئيسة الطائفة اليهودية ماجدة هارون خلال الاحتفالية عن ترميم جمعية "قطرة اللبن" معبدي مصر الجديدة والمعادي لاستغلالهما في أنشطة ثقافية، وتجهيز معبد المعادي لإقامة عروض مسرحية وموسيقية.

وأشارت إلى السعي نحو فهرسة أرشيف الطائفة اليهودية المصرية تحت إشراف وزارة الثقافة.

معابد يهودية
ويوجد في مصر 19 معبدا يهوديا، موزعة على محافظتي القاهرة والإسكندرية، وكانت تمارس فيها الشعائر الدينية بشكل منتظم، قبل خروج اليهود من مصر في خمسينيات القرن الماضي، منها 11 معبدا في القاهرة، ويعد المعبد الكائن بشارع عدلي (وسط القاهرة) أهمها، حيث تقام فيه بعض الاحتفالات الدينية.

وفي الإسكندرية توجد سبعة معابد، أشهرها معبد "إلياهو النبي" في شارع "النبي دانيال"، كما يوجد معبد واحد في محافظة الغربية، هو معبد "خوخة"، وترفض وزارة الآثار تسجيله كأثر بسبب تهدم جانب كبير منه.

ولا تمارس الشعائر الدينية في هذه المعابد، ليس فقط لقلة عدد اليهود في مصر، ولكن لسبب يتعلق بالشعائر نفسها؛ فإقامة الصلاة بالمعبد لا تتم إلا في وجود عشرة رجال على الأقل، وهو عدد يزيد على عدد الطائفة نفسها.

مبنى كانت تقام فيه مراسم الزفاف اليهودية بحارة اليهود (الجزيرة)
مبنى كانت تقام فيه مراسم الزفاف اليهودية بحارة اليهود (الجزيرة)

صفقة القرن
ويأتي ترميم التراث اليهودي المصري في ظل التطورات الإقليمية والحديث عن "صفقة القرن"، حيث كشفت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية مطلع الشهر الجاري عن تدشين الطائفة اليهودية في دبي معبدا لممارسة طقوسها الدينية، وهو ما اعتبرته الوكالة انعكاسا لدفء العلاقات بين إسرائيل والحكومات في المنطقة.

من جهته، اعتبر البرلماني السابق عز الدين الكومي الخطوة الحكومية غير متسقة مع الأوضاع المتردية للخدمات والمرافق، مضيفا أنه كان الأولى بالنظام أن يرمم المستشفيات والمدارس.

وربط الكومي -في حديثه للجزيرة نت– خطوة ترميم التراث اليهودي بتوجه السلطة في مصر للتطبيع مع إسرائيل، والسعي لإظهار "أدوار مهمة" لليهود في التاريخ السياسي المصري.

وقال الكومي إن "توجه السلطة تجاوز ترميم التراث اليهودي إلى المناهج الدراسية التي تبارك التطبيع، وجميع التحركات تمهد الرأي العام لقبول صفقة القرن".

رواد مواقع التواصل تناولوا خبر ترميم التراث اليهودي بالسخرية، حيث تساءلت نهلة الماوردي على حسابها على موقع فيسبوك عن الأعمال الترميمية التي تستحق هذه المبالغ الضخمة، وقالت "هو في كام أثر يهودي في مصر يستحق المبلغ ده لمجرد ترميمه؟"

في حين علق محمد الجويدي بقوله "إحنا فقرا أوي"، في إشارة إلى تصريح سابق للسيسي يصف فيه الوضع الاقتصادي لمصر.

ونشر حساب يحمل اسم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك صورة السيسي مع خبر الترميم، وقال "اللي مالوش خير في أهله مالوش خير في حد".

وغرد المتحدث باسم قضاة من أجل مصر عبر فيسبوك قائلا "تنسيق كامل.. أن يقوم السيسي بترميم التراث اليهودي في مصر بالتزامن مع تدمير ممنهج للتراث الإسلامي في فلسطين المحتلة".

المصدر : الجزيرة