من الهواية للاحتراف.. أردني يجسد معالم دينية وأثرية بمجسمات فنية

أردني يجسد معالم اثرية ودينية بمجسمات فنية/ المصدر الجزيرة/ البلد الأردن
3 مجسمات من أعمال الأردني سليمان أبو يحيى (الجزيرة)

عمان- تبقى الموهبة دفينة داخل المرء حتى يأتي الوقت المناسب لظهورها، وقد لا يكتشف ذلك إلا في مرحلة الكبر، وبعد محاولات عديدة لتحقيق حلم قديم، وهو ما حدث مع الخمسيني صاحب الموهبة سليمان أبو يحيى، الذي برع في تشكيل مجسمات فنية تحاكي معالم دينية وأثرية بالأردن وفلسطين.

أردني يجسد معالم اثرية ودينية بمجسمات فنية/ المصدر الجزيرة/ البلد الأردن
أبو يحيى: في طفولتي كنت منبهرا جدا بتصاميم الأبنية والمعالم الدينية وتستوقفني للتأمل بأدق تفاصيل بنائها (الجزيرة)

شغف الطفولة

يقول أبو يحيى في حديثه للجزيرة نت "في طفولتي كنت منبهرا جدا بتصاميم الأبنية والقصور، والمعالم الأثرية والدينية، وتستوقفني للتأمل بأدق تفاصيل بنائها".

ويتابع "بعد كل زيارة لأحد تلك المعالم، أتجه لأقلام الرصاص وأعبئ الصفحات بها، وأجرب كثيرا حتى أتمكن من نقل تصاميم تشابه ما رأيت.. فأنا إنسان شغوف بجمال وعراقة تلك المعالم ومحب لها، بطريقة لا يمكن وصفها".

أردني يجسد معالم اثرية ودينية بمجسمات فنية/ المصدر الجزيرة/ البلد الأردن
أبو يحيى اتجه لتصميم مجسمات معمارية للمباني السكنية (الجزيرة)

من الهواية للاحتراف

يعمل أبو يحيى بالتجارة والأعمال الحرة، إلا أنه التفت لموهبته بتشكيل المجسمات الفنية، فاتجه لتصميم مجسمات معمارية للمباني السكنية، وفق مخططات هندسية، بالتعاون مع أصحاب إسكانات ومهندسين، وفق قوله.

يؤكد أبو يحيى أنه يقوم بعمل مجسم معماري للمبنى أو القصر، يتضمن أساس المبنى وطوابقه وبواباته ونوافذه وأسواره وكافة ملحقاته، بحسب مقياس الرسم من 100:1، مبينا، أنه لا ينفذ عملا عشوائيا، لأن القياسات العشوائية تفسد جمالية المجسم وتفاصيله.

يصمم أبو يحيى مجسمات من البولسترين لعدة معالم أثرية منها: مدينة البتراء، قوس النصر في مدينة جرش، وقصر عمرة، وغيرها من المعالم الأثرية، ويسعى لتطوير موهبته من خلال تنفيذ أعمال بأحجام مختلفة، وبإضافات متنوعة من الخامات، مثل الجبس والصلصال لتبرز جمالية المجسم الفني، وأيضا الورنيش "الدهان" الذي يصبغ به الحجز، فتبدو كل قطعة لا تشبه الأخرى، وكأنها مشهد لصفوف حجارة طبيعية.

انتقل أبو يحيى من هاوٍ لمحترف، بعد أن راجت أعماله بين الأقرباء والأصدقاء وعبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أصبح يتلقى طلبات بتنفيذ مجسمات فنية لمعالم تراثية ودينية.

أبو يحيى: يأسرني جمال وفرادة تصميم القبة الذهبية في بناء قبة الصخرة، فهي أعظم المباني الإسلامية في القدس (الجزيرة)

تشكيل المجسمات و"التعتيق"

يقع اختيار أبو يحيى على معلم ديني أو موقع أثري ما، ويخطط لتصميم ونحت العمل بالشكل المراد تنفيذه.

ويتم تشكيل القطع للهيكل الأساسي للمجسم من الجبس، مع وضع مصلب داخلي لإسناده، وتضاف المواد اللازمة من صلصال وكرتون، أما الشكل الخارجي، فيتم تشكيله بطريقة "التعتيق" المكون من: التراب الطبيعي والأصباغ، ويتم طلاء "حجر تلو الآخر"، حتى يصبح العمل جاهزا.

ويستخدم في تنفيذ المجسمات عدة خامات منها: البولسترين، الجبس، الصلصال، الكرتون، الخشب، والطلاء "الورنيش"، وأحيانا يستخدم الرخام الصناعي (الريزن) بحسب الطلب.

قبة الصخرة والمسجد القبلي

يقول أبو يحيى "يأسرني جمال وفرادة تصميم القبة الذهبية في بناء قبة الصخرة، فهي أعظم المباني الإسلامية في القدس، والعالم ككل، وعليه اتجهت لتصميم مجسم يحاكي روح هذه الأيقونة الإسلامية".

ويضيف "لقد قمت بتصميم مجسم، للتحفة المعمارية "سبيل قايتباي" وهو من أهم أسبلة المسجد الأقصى، الذي يمتاز بجمال في البناء والرسم والنقش، إلى جانب ضخامته في الحجم".

وبرعت أنامل أبو يحيى أيضا، بتشكيل مجسم فني يحاكي بناء المسجد القبلي "وهو جزء من المسجد الأقصى"، ذو قبة رصاصية.

جانب من الأعمال الفنية التي يصممها أبو يحيى والتي تجسد البيوت الريفية في الأردن (الجزيرة)

بيوت ريفية ومفردات تراثية

لم تقتصر أعمال أبو يحيى على تشكيل مجسمات لمعالم دينية وأثرية، بل امتد فنه لنقل بساطة الحياة الريفية، وذلك بتنفيذ تصاميم لبيوت ريفية في عدة محافظات، منها: مجسم "طاحونة عودة"، والتي تعمل على الماء في وادي جديتا في إربد.

ويصمم أبو يحيى مفردات تراثية عدة: منها الرحى، وآبار الماء، إلى جانب تنفيذ مجسمات للعديد من الأقواس والبوابات في المناطق الأثرية.

ويعمل في الوقت الحالي على تنفيذ مجسم لأحد القصور التاريخية في منطقة الخالدية، ومجسم لقلعة في مدينة العقبة، وقصور في منطقة عراق الأمير، إلى جانب تشكيل مجسم يحاكي جمال وعراقة المدرج الروماني في وسط البلد بالعاصمة.

يقول أبو يحيى "أشعر بسعادة غامرة في تنفيذ هذه الأعمال بمشغلي الخاص، الذي قمت بتأسيسه قبل 15 عاما، ويتطلب أي عمل فني أقوم به وقتا وجهدا كبيرين، خصوصا أنني أسعى لنقل كافة التفاصيل في العمل، حتى يخرج متكاملا ومميزا".

المجسمات تجذب محبي الفن والتراث، فهناك من يطلب تصميما معينا لأحد المعالم التراثية (الجزيرة)

مصدر رزق

يبين أبو يحيى أنه ينفذ مجسمات بأحجام مختلفة وفق طلب الزبائن، واتجه لعمل قوالب للعديد من التصاميم التي قام بنحتها، حتى يتمكن من إعادة تصميم المجسم مرة أخرى.

ويقول "أحرص على تصميم القطع بشكل متوازن وثابت لا ينكسر، يصمم على قاعدة خشبية، ولا يتأثر بالرطوبة نهائيا، وذلك من خلال طبقة الورنيش التي تحفظه من كافة العوامل المؤثرة".

ويضيف أن "هذه المجسمات تجذب محبي الفن والتراث، فهناك من يطلب تصميما معينا لأحد المعالم التراثية، وهناك من يقع اختياره على إحدى المفردات التراثية".

ويبين أبو يحيى أن بيع هذه القطع يشكل له مصدر دخل جيد، فهناك من يتجه لشرائها لتجميل زاوية في منزله، أو مكتبه، كما ينجذب السياح لهذه التصاميم وخصوصا ذات الأحجام الصغيرة "التي تتميز بسهولة الحمل والنقل".

أبو يحيى اتجه لتصميم مجسم قبة الصخرة ليحاكي روح هذه "الأيقونة الإسلامية" كما يقول (الجزيرة)

إضافات عصرية

يؤكد أبو يحيى أنه حظي بتشجيع من عائلته وأصدقائه عندما قرر تطوير موهبته بتصميم المجسمات الفنية، مما أدخل الفرح لقلبه، مبينا أن أولاده يقومون بمساعدته في تنفيذ بعضها.

يشارك أبو يحيى بمجسماته الفنية في العديد من البازارات، إذ يطمح أن تصبح له "بصمة" في كل بيت أردني وعربي محب للتراث.

وفي الآونة الأخيرة اتجه أبو يحيى، لإدخال إضافات لأعماله الفنية، مثل: عنصر الإضاءة، مبينا أنه يحرص كل حين على إدخال تحديثات على القطع بأسلوب عصري، مع الحفاظ على جوهر فكرة القطعة "التراثية".

ويختم بأن "هذه الموهبة فطرية وليست عن دراسة، لكني أعتقد أن الموهبة المكتسبة تحتاج إلى الكثير من التمرين، والنتيجة (فيها) مقبولة فقط. أما الموهبة الفطرية فهي الأكثر قدرة على الابتكار ولفت الأنظار".

المصدر : الجزيرة