تاكر كارلسون.. رفضته المخابرات الأميركية ليصبح المذيع الأكثر مشاهدة في أميركا

في حين يسعى كارلسون لتحقيق المزيد من النجاح الإعلامي، فإن الإشاعات لا تتوقف حول أنه قد يصبح خليفة الرئيس السابق دونالد ترامب في قيادة التيار اليميني، وربما يستعين به ترامب ليكون نائبا له في انتخابات 2024.

خلال الربع الأخير من العام المنتهي وصل عدد متابعي تاكر كارلسون إلى 4.3 ملايين مشاهد، وهو رقم ضخم جدا بمعايير الشبكات الإخبارية الأميركية (رويترز)

واشنطن- يتابعه 4.8 ملايين شخص على منصة تويتر، ويشاهده يوميا 3.2 ملايين أميركي على شاشة شبكة فوكس الإخبارية، إضافة إلى أكثر من 60 مليونا آخرين على موقع يوتيوب، إنه تاكر كارلسون (Tucker Carlson) الذي يقدم برنامجا يوميا باسمه على شبكة فوكس في ساعة الذروة المسائية بين الثامنة والتاسعة مساء.

وخلال عام 2021 صعد برنامج "تاكر كارلسون الليلة" ليصبح الأكثر مشاهدة بين برامج الأخبار في تاريخ شبكات الأخبار الأميركية الرئيسية، ووصل عدد مشاهديه خلال الربع الأخير من العام المنتهي إلى 4.3 ملايين مشاهد، وهو رقم ضخم جدا بمعايير الشبكات الإخبارية الأميركية.

ويعدّه بعض المعلقين عنصريا شعبويا متطرفا مروجا للعديد من نظريات المؤامرة، إضافة إلى عدم احترامه النساء والمهاجرين والأقليات من غير أصحاب البشرة البيضاء كالأفارقة الأميركيين واللاتينيين والآسيويين.

وعلى النقيض، يراه الملايين بطلا أميركيا قوميا لعدائه الصريح للعولمة، ويعدّه الجمهوريون عاملا ضروريا لتحقيق توازن في إعلام يسيطر عليه تقليديا التيار الليبرالي. ويراه أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب ممثلا لهم في معركة سياسية أهم أدواتها الإعلام.

أثار تاكر كارلسون (52 عاما) الاهتمام في القارة الأوروبية عندما قام بزيارة العاصمة المجرية بودابست الصيف الماضي للقاء رئيس وزرائها فيكتور أوربان، الذي يوصف على نطاق كبير بالتطرف والشعبوية والإيمان بسمو الجنس الأبيض. وشارك كارلسون في افتتاح مركز بحثي هناك يركز على دعم الأيديولوجية اليمينية المحافظة حول العالم.

رفضته الاستخبارات

بعد تخرجه من كلية ترينيتي الواقعة بولاية كونيتيكت المجاورة لنيويورك عام 1991، تقدم تاكر كارلسون ليحقق حلما له بالعمل في وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" (CIA)، لكن الوكالة رفضت قبوله للعمل بها. وقرر كارلسون السير على خطى والده، الذي كان صحفيا محليا شهيرا في ولاية كاليفورنيا.

وبعد عمله في عدد من الوظائف المتنوعة في صحف ومجلات أسبوعية إخبارية، قرر كارلسون القيام بالقفزة إلى التلفزيون عام 2000 لأسباب مادية كما ذكر. ونجح في دخول شبكة "سي إن إن" (CNN) ليشارك في تقديم برنامج "المواجهة" (Crossfire) الشهير، ممثلا للجانب المحافظ في النقاش.

وفي عام 2005، قررت "سي إن إن" إلغاء البرنامج، وأعلنت أنها لن تجدد عقد كارلسون، وادعى كارلسون في وقت لاحق أنه استقال قبل إعلان "سي إن إن" إيقاف البرنامج. وقال كارلسون لمجلة "نيويوركر" إنه قدم استقالته لأنه لم يعد يحب الحزبية، و"اعتقدت في بعض النواحي أن البرنامج كان نوعا من محادثة لا طائل من ورائها، فلا أحد يستمع إلى رأي الآخر".

ثم انضم كارلسون إلى شبكة "إم إس إن بي سي" (MSNBC) الليبرالية عام 2005 وعمل بها، وقدّم برنامجا باسمه حتى نهاية عام 2008، قبل أن يتم إيقاف البرنامج والتخلص منه لانخفاض نسب المشاهدة.

ثم انضم كارلسون إلى شبكة فوكس عام 2009، وشارك مع عدة مذيعين في تقديم برنامج "فوكس والأصدقاء" في عطلة نهاية الأسبوع، وفي الوقت ذاته أسس كارلسون موقع "ديلي كولر" الإخباري المحافظ عام 2010، وكان أول رئيس تحرير له.

وعمل تاكر سنوات في شبكة فوكس من دون أن يحصل على شهرة كبيرة، ثم برز مقدما بديلا أثناء غياب المذيع الشهير شون هانيتي، وسنحت الفرصة الكبيرة لكارلسون عام 2016 عندما تم إيقاف المذيع الأشهر في فوكس آنذاك بيل أوريليي على خلفية قضايا تحرش جنسي، وتم استبدال برنامجه ببرنامج تاكر كارلسون، وهو ما يقوم به حتى الآن.

هناك من يرى كارلسون عنصريا متطرفا مروجا للعديد من نظريات المؤامرة، وعلى النقيض يراه الملايين بطلا أميركيا قوميا (رويترز)

أزمة أوكرانيا

بدأ كارلسون حياته السياسية ديمقراطيا، وظل مسجلا كذلك في سجلات الناخبين الأميركيين سنوات طويلة. وخلال السنوات الأخيرة، انقلب كارلسون بصورة كاملة، وأصبح انتماؤه بوضوح للجناح المحافظ اليميني. ولا يعني ذلك موافقة كارلسون الكاملة مع مواقف الحزب الجمهوري، خاصة في ما يتعلق بالقضايا الخارجية.

ويرفض كارلسون -على سبيل المثال- سردية أن إيران تمثل تهديدا للولايات المتحدة، وقال في يوليو/تموز 2017 "نحن في الواقع لا نواجه أي تهديدات من إيران"، وطلب من ضيفه الخبير ماكس بوت المؤيد لمهاجمة إيران "أن تقول لي كم عدد الأميركيين الذين قتلوا على يد إرهابيين تدعمهم إيران منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001؟"

ومؤخرا تطرق كارلسون إلى أزمة أوكرانيا، وتسبب ذلك في تعرضه للهجوم من جمهوريين وديمقراطيين على حد سواء. وندد كارلسون في حلقة 20 يناير/كانون الثاني الجاري بما اعتبره دق طبول الحرب من الدوائر الأميركية المختلفة سواء الجمهورية منها أو الديمقراطية. وقال كارلسون -في مقدمة استغرقت 11 دقيقة- إن "أوكرانيا بلد صغير جدا في أوروبا الشرقية، وتبعد عن واشنطن ما لا يقل عن 5 آلاف ميل، وعدد سكانها لا يزيد على عدد سكان كاليفورنيا، ومع ذلك لا نتوقف عن الحديث عن أوكرانيا".

وأضاف كارلسون "الآن، واعتبارا من هذه الليلة، نحن نقترب من حرب في أوكرانيا. وفي الأيام المقبلة قد تنتهك روسيا الحدود الشرقية لأوكرانيا، وقيل لنا إن هذا لا يمكن أن نقبله. ولكن لا يزال عليك أن تتساءل: لماذا يُعد غزو روسيا لأوكرانيا مصدر قلق عميق لنا؟ لماذا تفكر حتى في المخاطرة بحياة الأميركيين أو إرسال مليارات الدولارات لوقفها؟"

وكرر كارلسون ما يقوله كثيرا من أن "الصين هي التهديد البارز للولايات المتحدة. ولا شيء يقترب من التهديد الذي تشكله الصين. وإليك حقيقة مُرة، وهي أن الجيش الأميركي رغم أنه الأقوى في العالم، فإنه ليس بالقوة الكافية لخوض حربين في وقت واحد في أوروبا وآسيا؛ لذا فإن اهتمامنا بأوكرانيا -بحكم تعريفه- ينتقص من اهتمامنا بالصين، ولكن الأسوأ والأكثر خطورة من ذلك -وهو أكثر خطورة من أي شيء آخر- أنه يدفع الروس إلى تحالف مريح مع الصين".

رفع راية المحافظين اليمينيين

كارلسون وعائلته من أتباع الكنيسة الأسقفية، وذكر خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري عام 2004 أنه "يعارض تماما الإجهاض"، ويعتقد أنه "فظيع وقاس"، وهو موقف لا يزال متمسكا به حتى اليوم.

وعلى مدار السنوات الأخيرة، تصدر كارلسون عناوين الصحف بتعليقات مثيرة للجدل على الهواء حول المهاجرين والنساء والسود. وبعد حادثة إطلاق نار جماعي على مهاجرين لاتينيين في مدينة "آل باسو" بولاية تكساس عام 2019، تحدث كارلسون عن "غزو الهيسبانيك لتكساس". وفي ديسمبر/كانون الأول 2018 أثار كارلسون الغضب عندما قال إن المهاجرين سيجعلون البلاد "أكثر فقرا وقذارة". ولم يعتذر قط، وبدل ذلك اتهم رد الفعل العنيف بأنه هجوم على حرية التعبير.

ومؤخرا أثار كارلسون غضبا واسعا بعد أن دافع عن قتل كايل ريتينهاوس (17 عاما) شخصين في مظاهرة لحركة "حياة السود مهمة" في مدينة كينوشا بولاية ويسكونسن خلال صيف 2020.

وقال تاكر عند استضافته ريتينهاوس "هل نحن مندهشون حقا من تسارع أعمال النهب والحرق العمد إلى القتل؟ ما مدى صدمتنا لأن أحد البالغين من العمر 17 عاما، والمسلح بالبنادق، قرر أن يحافظ على النظام في وقت لا أحد آخر يفعل ذلك؟!"

كارلسون بدأ حياته السياسية ديمقراطيا وظل مسجلا هكذا في سجلات الناخبين الأميركيين سنوات طويلة (رويترز)

الولاء المطلق لترامب

يحظى تاكر كارلسون بشعبية واسعة ومتزايدة لدى المحافظين اليمينيين بسبب دعمه وتأييده الكبير لسياسات وتوجهات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

وفور ظهور ترامب السياسي خلال حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2016، أعرب تاكر كارلسون عن دعمه لترشيح ترامب ودعمه لأفكاره المثيرة للجدل، مثل "حظر دخول مواطني دول مسلمة"، وانتقد المرشحين الجمهوريين الآخرين لعدم جعل الهجرة قضية أساسية مثل ترامب، وأيد كارلسون بناء ترامب للحاجز الفاصل عند الحدود المكسيكية الأميركية.

ومثل ترامب، ألقى كارلسون بظلال من الشك على نوايا المحتجين السود في أعقاب مقتل جورج فلويد على يد ضابط شرطة أبيض خلال صيف 2020، وقال حينذاك "إن ما يحدث ليس بالتأكيد تعبيرا عن حركة حياة السود مهمة، وتذكر فقط أن هؤلاء المجرمين سيحاولون سرقتك والاعتداء عليك".

وتبنى كارلسون مواقف ترامب المشككة في فيروس كوفيد-19، وفي بداية انتشار الفيروس حثّ كارلسون على تناول اللقاحات، وذكرت بعض التقارير أن موقفه أسهم في إقناع ترامب بتلقي اللقاح. ولكن بحلول مايو/أيار 2020 بدأ كارلسون يشكك علنا في شدة الفيروس ويعارض تدابير الابتعاد الاجتماعي، وألقى بالشك مرارا وتكرارا على فعالية ارتداء أقنعة الوجه أو جدوى تلقي اللقاحات.

وعقب حادثة اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من يناير/كانون الثاني 2021، زعم كارلسون أنه "لا يوجد دليل على أن دعاة تفوق العرق الأبيض أو أنصار ترامب هم المسؤولون عما حدث" في ذلك اليوم.

وفي الوقت الذي يسعى فيه كارلسون لتحقيق المزيد من النجاح على المستوى الإعلامي، لا تتوقف الإشاعات حول أنه قد يصبح خليفة ترامب في قيادة التيار اليميني، وربما يستعين به ترامب ليكون نائبا له في انتخابات 2024.

وأشار موقع "بوليتيكو" إلى أن تاكر كارلسون يُعد من بين أكثر 10 جمهوريين بارزين يمكن أن ينجحوا في الانتخابات القادمة، لكن كارلسون ينكر أن يكون لديه أي اهتمام بالترشح لمناصب سياسية في الوقت الراهن.

المصدر : الجزيرة