أسطح باريس الرمادية.. من رمز للتراث المعماري إلى تذكار سياحي يشترى بالقطعة

كونستانس: نعيد الحياة إلى قطع عفا عليها الزمن بإعادة تدويرها، حتى يتمكن كل شخص من امتلاك قطعة صغيرة من تراث وروح باريس.

باريس- تحمل أسطح الزنك الرمادية توقيع باريس مثل برج إيفل وجادة الشانزيليزيه، فهي لا توفر فقط انعكاسا مثاليا لغروب الشمس على مباني ومعالم العاصمة الفرنسية التاريخية، ولكنها تلهم أيضا مشاهير عالميين، مثل الفنان فنسنت فان غوخ في لوحة "منظر لباريس" عام 1887.

وقدمت وزيرة الثقافة روزلين باشلو فبراير/شباط 2021 ترشيحها لليونسكو لإدراج أسطح العاصمة موقعا للتراث العالمي، للاعتراف بمهارة حرفيي الأسقف والزنك التي يعود تاريخها إلى أكثر من 200 عام.

أسطح الزنك لا توفر فقط انعكاسا مثاليا لغروب الشمس على معالم باريس فقط لكنها تلهم أيضا مشاهير عالميين (الجزيرة)

جزء من هوية باريس

وتعتبر الأسطح المصنوعة من الزنك الرمادي إحدى السمات الخاصة التي تتميز بها العمارة الباريسية ولا يمكن العثور عليها في أي مكان آخر في العالم.

وفي أربعينيات القرن 19، عهد الإمبراطور نابليون الثالث للبارون أوسمان بتجديد باريس التي كانت مليئة بالشوارع الضيقة وغير الصحية؛ إذ كانت سيئة الإضاءة ولا يوجد بها تصريف للمياه.

وعقب هذا التكليف الملكي، بدأ أوسمان في تغيير ملامح عاصمة الأنوار بالكامل عبر أعمال هدم واسعة تمكن خلالها من إعادة بناء المدينة، وفقا لمعاييره الهندسية.

كانت هناك حاجة ملحة إلى ابتكار طريقة جديدة وسريعة لتركيب الأسقف، وهنا ولدت فكرة استخدام رقائق الزنك (الجزيرة)

ومن ضمن هذه الأعمال، كانت هناك حاجة ملحة إلى ابتكار طريقة جديدة وسريعة لتركيب الأسقف، وهنا ولدت فكرة استخدام رقائق الزنك القابلة للطي والاقتصادية لأنه ينبغي تجديدها كل 50 عاما.

تجدر الإشارة إلى أن هذا المعدن يتميز بوزنه الخفيف مقارنة مع الإطارات الخشبية المغطاة بالبلاط، فضلا عن سهولة تقطيعه وتركيبه وفعاليته ضد تسريب المياه.

وبفضل صفائح الزنك، استطاع المهندسون المعماريون استخدام الحد الأدنى من مواد البناء وزيادة مساحة المعيشة. كما سمحت هذه التقنية الحديثة والجريئة بظهور غرف الخادمات -للمرة الأولى- في البنايات "الأوسمانية" التي لا تزال قائمة حتى اليوم.

بفضل صفائح الزنك، استطاع المهندسون المعماريون استخدام الحد الأدنى من مواد البناء وزيادة مساحة المعيشة (الجزيرة)

مهنة مهددة بالاندثار

يعود ترشيح أسطح الزنك في اليونسكو إلى تعرضها للاندثار في بعض الأحياء، بسبب البناء الجديد وقلة انجذاب الشباب لهذا النوع من العمارة.

وكما قال جيل ميرميه، رئيس لجنة دعم عمال الأسقف في اليونسكو: "70% من أسطح باريس مغطاة بالزنك، ولم يعد بالإمكان العثور على حرفيين متخصصين في هذا المجال. لقد أصبحت مشكلة حقيقية تواجه تراث المدينة".

كما يشتكي عمال الأسطح من عدم إقبال متدربين شباب على تعلم هذه المهنة التي تتطلب دراية ببناء وترميم الأسطح وشغفا كبيرا لخلق لوحة من الألوان الموحدة التي تغطي مباني العاصمة الرمادية المترامية الأطراف.

يقول رئيس اتحاد هندسة المناخ وشركات أسقف السباكة، إدوارد باستيان، إنها "وظيفة تمنحك الفخر لأن لها معنى وهدفا، بغض النظر عن مدخولها المادي حيث تتراوح مرتبات العمال من 1200 إلى 3200 يورو صافي شهريا".

ويأمل هؤلاء إدراج الأسطح الباريسية موقعا للتراث العالمي لليونسكو لإدامة المعرفة الفريدة في العالم وتعزيز التعلم، حتى يستطيع جيل كامل اكتشاف البعد الجمالي والتراثي، خاصة مع وجود نحو 17 ألف شركة للأسقف في فرنسا.

مطالب بإدراج الأسطح الباريسية موقعا للتراث العالمي لليونسكو ليستطيع جيل كامل اكتشاف البعد الجمالي والتراثي لها (الجزيرة)

من قطعة تاريخية إلى تذكار سياحي

خلال فترة الإغلاق الأولى التي فرضتها الحكومة الفرنسية نتيجة تفشي وباء كورونا، خطر على بال المصممة الفرنسية كونستانس فيشيت شولز فكرة تحويل صفائح الزنك إلى تذكار سياحي في أثناء مشاهدتها انعكاس غروب الشمس على المبنى المقابل لشرفة منزلها في الطابق الخامس.

وهكذا، بدأت معالم مشروع كونستانس "أسطح باريس" أو (Toit de Paris) في الاكتمال تدريجيا من خلال تحويل قطعة تراثية إلى تصميم مبتكر يسلط الضوء على حرفة يعود تاريخها إلى 200 عام وتذكار يسافر في كل أنحاء العالم.

تحويل صفائح الزنك لتذكار سياحي استلهمته المصممة في أثناء مشاهدتها انعكاس غروب الشمس على المبنى المقابل لشرفة منزلها (الجزيرة)

تقوم المصممة بجمع صفائح الزنك القديمة من مواقع البناء، ومن ثم تنظف المادة الخام الثمينة وتصقلها بالرمل، ثم تطبع عليها خريطة تشير بدقة إلى الحي الباريسي الذي رُكبت فيه هذه القطعة منذ نصف قرن.

وتقول كونستانس للجزيرة نت: "نعيد الحياة إلى قطع عفا عليها الزمن بإعادة تدويرها، حتى يتمكن كل شخص من امتلاك قطعة صغيرة من تراث وروح باريس. إنني أتخيل سائحا يزور العاصمة ويعود بقطعة من تاريخها في حقيبته".

وتضيف "ما نقوم به قانوني بالطبع؛ لأننا نحصل على الزنك من مباني أوسمانية قديمة، وفي حال أخذنا هذه الصفائح من معالم تاريخية في المستقبل، مثل مبنى الأوبرا، فحينئذ سيكون علينا الحصول على تصريحات خاصة من مديرية المعلومات القانونية والإدارية التابعة لوزارة الثقافة وحماية المعالم الوطنية".

المصدر : الجزيرة