بالصور- عراقي مصاب بمتلازمة داون يبدع في رسم الأجسام الغريبة من الأحجار الناعمة

أعمال يدوية لدانيار
طاهر تلقى دعما كبيرا من أسرته ساعده في تطوير موهبته (الجزيرة)

السليمانية- في منزل الشاب العراقي دانيار طاهر المصاب بمتلازمة داون، سيستقبلك الرواق المليء بأوعية فخارية مزينة بأنواع الشجيرات وشتلات الزهور. وفي خط الاستقبال الثاني، ستجد أفراد عائلته يقفون بابتسامة دافئة تكشف السبب الذي دفع بهذا الشاب لتخطي مرضه، وحثه على الإبداع وكسر الحاجز النمطي لمن هم بمثل حالته.

وكان طاهر ذو الـ 22 ربيعا من ضمن المستقبلين، ويبدو على تعابير وجهه الفخر، إيماناً منه ربما بأن الغرض الوحيد من هذه الزيارة هو الاطلاع على أعماله، وبدا واضحاً من خلال حركة يده أثناء المصافحة أنه واثق وسعيد أيضاً.

أتم طاهر دراسته الابتدائية والتحق بمعهد متخصص للأعمال اليدوية بمدينة السليمانية في إقليم كردستان شمال العراق. ومنذ ذلك الحين، بدأت موهبته في تنسيق الأحجار وصناعة المجسمات من الحجر الملون تظهر للعلن، وتتجلى في أبهى صورة.

أحد الأعمال اليدوية التي نفذها طاهر (الجزيرة)

عن ذلك تتحدث جرا خان الشقيقة الكبرى لطاهر "كان لوالدي ووالدتي الأثر الكبير في دعم موهبة شقيقي وتنميتها، ومنذ صغره كان اهتمامهما منصباً على إتمامه لتعليمه، من ثم الحرص على إلحاقه بمعهد يرعى موهبته ويعمل على تطويرها".

أعمال يدوية لدانيار
أحد إبداعات طاهر العراقي (الجزيرة)

وتكمل بالقول "حرص والدي منذ البداية على تجهيزه بكافة المستلزمات الضرورية اللازمة لعمله، فهو يبتاع له الأحجار، المجسمات، الغراء، أدوات اللصق والتلوين وغيرها، ويشجعه دائماً، ووالدتي كذلك".

صورة نمطية

وما زال الأشخاص ممن يعانون من مشكلة نفسية أو إعاقة جسدية معينة، ومن بينهم المصابون بمتلازمة داون، يتعرضون للتنمر أو النظرة الدونية من غيرهم.

وعادة ما تساهم توجهات المجتمعات وسلوكياتها، تجاه الأفراد المختلفين، في تعزيز الصورة النمطية التي تتعلق بنبذهم خارج دائرة الاهتمام، وتهميشهم بما يؤثر في عزلهم تدريجياً وإضعاف قدرتهم على العطاء، بالإضافة لتقليل ثقتهم بنفسهم حتى أولئك الذين يمتلكون مواهب تستحق الالتفات والتقدير.

ولعل تسمية "منغولي" التي يوصف بها المصابون بمتلازمة داون من أكثر التسميات رواجاً، وأكثرها إقصاءً في ذات الوقت.

وبحسب المركز الأميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها (Centers for Disease Control and Prevention) فالمصابون بمتلازمة داون يمتلكون نسخة إضافية -كاملة أو جزئية- من الكروموسوم 21، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية فإنه لا توجد عوامل بيئية أو سلوكية محددة ثبتت صلتها بالإصابة بهذا المرض. وفقط 4% من الحالات تنتج في الأصل عن سبب وراثي.

وفي كل الأحوال، هذه الفئة أحوج ما تكون للدمج المجتمعي، وتوفير مراكز حكومية متخصصة لرعايتهم وتعليمهم لكسر هذا الحجز بينهم وبين باقي أفراد المجتمع.

دانيار مع والدته وشقيقته
طاهر مع والدته وشقيقته (الجزيرة)

ومهما تعددت الأسباب، فإن تحديد إمكانيات المصابين بالمرض التعليمية والذهنية، في سن مبكرة، يساهم في مساعدتهم لتخطي الكثير من العقبات، وهو ما عملت أسرة طاهر على توفيره منذ صغره.

تقول جرا خان "يتم عرض وبيع الأعمال التي يقوم طاهر بتنفيذها، في البازارات والمهرجانات التي تقام في المدينة بشكل مستمر".

وعن مواهبه الأخرى وتفاعله مع المجتمع المحيط به، تقول "شقيقي لديه أصدقاء من نفس المعهد الذي تعلّم فيه ومن الأماكن التي ارتادها لغرض عرض أعماله، كما أن لديه موهبة العزف على البيانو، إضافة لذلك كان والدي قد بادر لتعليمه قيادة السيارة في وقت سابق، وأصبح ملماً بأساسيات القيادة لكنه ليس محترفاً".

أعمال يدوية لدانيار
يتم عرض وبيع أعمال طاهر في البازارات والمهرجانات (الجزيرة)

وكما هو معلوم فإن الخلل الناتج عن متلازمة داون يتفاوت من مصاب إلى آخر، وبالتالي يعيش بعض المصابين عادةً مع عائلاتهم بشكل طبيعي ويمارسون مختلف الأنشطة، في حين يحتاج البعض الآخر منهم إلى رعاية أكثر.

أعمال يدوية لدانيار
طاهر: أحلم ببيت كبير وحديقة أكثر اتساعا (الجزيرة)

وكما هو التفاوت في الحالات، فردود أفعال الناس من المصابين بهذا الخلل تتفاوت أيضاً، بين من يخاف منهم وربما يتراجع خطوة أو اثنتين إلى الوراء في حال صادف شخصاً مصاباً بهذه المتلازمة.

هناك من يُقبل عليهم كما يقبلون على طاهر، وهو ما دفعه لمشاركة حلمه الصغير بالقول "أحلم أن يكون لدي منزل كبير وسيارة جميلة باللون الأبيض" ثم يكمل "بشرط أن يكون داخل هذا المنزل الواسع حديقة أكثر اتساعاً منه".

المصدر : الجزيرة