الأولى في قطر.. زراعة الزعفران تتحدى المناخ وتجني قطفتها البكر

نجاح تجربة زراعة الزعفران لأول مرة في قطر (الجزيرة)
نجاح تجربة زراعة الزعفران لأول مرة في قطر (الجزيرة)

في تجربة نوعية في قطر، أثبت رجل الأعمال جابر المنصوري أن زراعة الزعفران -وهو أغلى التوابل في العالم- يمكنها أن تتحدى قساوة المناخ، وأن توطن نفسها ضمن المزروعات الحديثة التي اقتحمت البيئة الصحراوية في قطر، وتحقق إنتاجا يغطي حيزا مهما في الاستهلاك المحلي، مع إمكانية التصدير مستقبلا.

وفي مزرعته بأم العشوش بمنطقة الشمال، يبدي رجل الأعمال جابر المنصوري سعادته بتدشين أول قطفة من الذهب الأحمر في قطر، بعد 3 سنوات قضاها بين الدراسات والتجارب، في محاولة لإيجاد أفضل طرق زراعة الزعفران وأكثرها فاعلية وقدرة على مواجهة حرارة الطقس، مسخّرا لتحقيق هذا الحلم أساليب مبتكرة في الزراعة، وأحدث تقنيات السقي وظروف التبريد.

ويعتمد المنصوري في تجربته زراعة الزعفران على طريقتين، الأولى تعرف بالطريقة المائية أو "الهيدروبونية"، إذ تنمو بصيلات الزعفران التي تحمل الزهرة على الماء مباشرة دون تربة، وبعد ذلك تحفظ البصيلات التي تحمل الزهرة في صناديق خشبية في حاوية يُعاد توجيهها وتبريدها عن طريق نظام تكييف.

والثانية بزراعة البصيلات في التربة، مع توفير تقنيات التقطير المائي لحفظها من الجفاف، وكلا الطريقتين تحتاج إلى بيوت بلاستيكية مغطاة توفر ظروف تبريد مناسبة.

المنصوري يعتزم اقتحام صناعات جديدة قوامها الزعفران (الجزيرة)
المنصوري يعتزم اقتحام صناعات جديدة قوامها الزعفران (الجزيرة)

القطفة الأولى

وبعد أول قطفة من هذه الزهرة الأرجوانية بمزرعة المنصوري، أمكنه اليوم تحديد أنجع الطريقتين وأكثرهما إنتاجا ومردودا، وأقلّهما استهلاكا للطاقة طوال أيام الزراعة، وأقلّهما احتياجا إلى ظروف التبريد وتبخير المياه، إذ أثبتت تقنية الزراعة في الماء "الأيروبونية" نجاعتها، وحققت إنتاجا عالي الجودة قدّر بـ3 كيلوغرامات، بعد أن زُرعت البصيلات على 5 طبقات في حاوية مبردة بمساحة 150 مترا مربعا، في حين حققت الزراعة في التربة إنتاجا أقل من ذلك، مع ما تطلبته من ظروف زراعة أكبر.

ولتحقيق هذه النتيجة التي كان يبدو نجاحها مستحيلا في قطر، زار المنصوري عددا من الدول التي تشتهر بهذا النوع من الزراعة، خاصة إيران وأفغانستان وإسبانيا والمغرب، للوقوف على أفضل التجارب والتقنيات المتطورة التي توظّف في هذا النوع من الزراعة مرتفعة المردود المادي، التي تدخل بشكل كبير في الغذاء وصناعات الدواء ومنتجات التجميل والعطور، ليختار الاستعانة بخبرة إيرانية في هذا المجال، وفّرت لها إدارة المزرعة جميع الشروط اللازمة لتحقيق أفضل إنتاج ومردود.

ويطمح رجل الأعمال جابر المنصوري المتخصص في تنظيم المعارض التجارية، إلى رفع وتيرة الإنتاج في هذا المشروع، وتوزيعه محليا بوصفه منتجا وطنيا، على أمل أن يغطي 25% من الاستهلاك في غضون سنة، بحصة ثابتة في السوق القطرية، وإذا حظي بدعم وزارة البلدية والبيئة فيمكنه حينئذ تغطية الاستهلاك المحلي كاملا على امتداد 5 إلى 6 سنوات على أبعد تقدير.

وقال للجزيرة نت إن تجربة المشروع التي خاضها نجحت بالفعل، وهو إنجاز قطري صرف، وهي تجربة تحفز أصحاب الأفكار على الاهتمام بالمجال الزراعي لتبنّي هذا النوع من المشروعات التي تعزز ركيزة الإنتاج، وتدعم الأسواق بالمنتجات القطرية المميزة.

وأضاف أن جائحة فيروس كورونا ألهمته جعل هذا الحلم حقيقة بتكريس وقت أكبر له، فقد وجد المنصوري مزيدا من الوقت للوقوف على عمليات نمو زهرة الزعفران، وما تتطلبه من عناية وجهد كبيرين، مبيّنا أنه تلقّى عروضا من شركات أجنبية تطلب استيراد المحصول من هذا المنتج في العام المقبل.

مشروع زراعة الزعفران إنجاز قطري مشجع (الجزيرة)
أصعب مراحل الإنتاج تكمن في حصاد الزعفران واستخراجه من الزهور يدويا، مع الحفاظ على البصيلات (الجزيرة)

زهرة السعادة

في مزرعة المنصوري تتبع مراحل زراعة وإنتاج الزعفران -أو ذهب الصحراء كما يحب أن يطلق عليه عدد من القطريين- الطريقة العضوية، دون استخدام أي نوع من الأدوية الكيميائية أو مخصبات التربة، إلا أن أصعب مراحل الإنتاج تكمن في حصاده واستخراجه من الزهور يدويا، مع الحفاظ على البصيلات.

وتبدأ بصيلة الزعفران بالإنتاج بعد سنتين من الزراعة، ويمكن استخدامها مدة تراوح بين 6 أو7 سنوات متتالية، وبعدئذ ينبغي تغيير مكان الزراعة، وينتج الهكتار الواحد (10 آلاف متر مربع) نحو 4 كيلوغرامات من الزعفران بحد أقصى.

ويبلغ استهلاك قطر السنوي من الزعفران نحو 700 كيلوغرام، ويسير هذا الرقم في اتجاه تصاعدي بالنظر إلى تكثيف استعمال الزعفران في عدد من المنتجات الجديدة، سواء أكانت غذائية أو طبية.

وبنجاح تجربة المنصوري يظهر نجاح الرهان على دور المنتج المحلي وضرورة تشجيعه، ففي السنوات الأخيرة، وفي توجهها نحو تحقيق نصيب وافر من الاكتفاء الذاتي في عدد من المنتجات، وفّرت حكومة قطر مزيدا من الدعم لأصحاب الأفكار المنتجة في المجال الزراعي، بإمدادهم بالخبرات اللازمة والتقنيات الحديثة، فضلا عن منح أصحاب المشروعات المساحات المطلوبة للمشروعات الزراعية، ودعمها بالأسمدة والأدوية، وهو ما انعكس إيجابا على إسهامات المنتوج المحلي في تعزيز السوق الداخلية ودعم الاقتصاد.

ولا يخفي المنصوري رغبته في أن يقتحم صناعات أخرى تدخل في صلبها مادة الزعفران، خاصة في المجالات الطبية وصناعات التجميل، إلا أنه يراهن على دعم الجهات المختصة في قطر وتخصيص دعم للشركات التي ستتوجه إلى هذا المجال، ومواكبتها من النواحي القانونية والتسويقية، بما يخدم رؤية قطر الوطنية 2030 ورهاناتها التي تدعم الاقتصاد القطري محليا ودوليا.

المصدر : الجزيرة