بعد 125 عاما من الرواج.. هل تقتل منصات البثّ الرقمية دور السينما؟

منصات البث المباشر والجائحة تهددان بالقضاء على دور السينما بعد 125 عاما من الرواج
أول ملصق لفيلم يعود تاريخه إلى عام 1896 للأفلام التي عرضها الأخوان لوميير (الألمانية)

أوقفت جائحة كورونا فجأة الخطط المقررة للاحتفال بالذكرى رقم 125 لمولد السينما، ومع ذلك نظم الغراند باليه (القصر الكبير)، وهو مجمع للمتاحف وقاعات العرض بباريس، معرضا شاملا منذ 5 أعوام لتقدير وتكريم الأخوين أوغست ولويس لوميير، اللذين يعزى إليهما اختراع السينما.

وباستخدام جهاز بسيط تقادم الآن، يجمع بين آلة تصوير للصور المتحركة مع جهاز عرض وطابعة، قام الأخوان لوميير -وهما من رجال الصناعة- بعرض فيلمهما القصير بعنوان "العمال يغادرون مصنع لوميير بمدينة ليون".

وبعد أول عرض خاص للفيلم في 22 مارس/آذار 1895 قام الأخوان لوميير بعرضه أمام الجمهور في قاعة إنديان بمقهى غراند كافيه بباريس، في 28 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.

عرض أول فيلم في التاريخ

ولم يوافق مندوبو الصحف على قبول دعوة المنظمين، حتى المارّة ما كانوا متحمسين لحضور عرض أول فيلم في التاريخ، أقيم داخل قبو مقهى غراند كافيه بباريس. وكان سعر تذكرة دخول العرض فرنكا فرنسيا واحدا، وفي مقابل التذكرة كان بوسع العدد الصغير من المتفرجين مشاهدة 10 أفلام قصيرة، بلغ إجمالي مدة عرضها جميعا 20 دقيقة.

وكان رائد الأفلام السينمائية جورج ميليس من بين 32 متفرجا على العرض التاريخي في 28 ديسمبر/كانون الأول 1895.

وفي نهاية العرض خيم الذهول على الجميع، وبدت على المتفرجين علامات الدهشة والتعجب الذي لا يوصف، وذلك وفقا لما قاله المنظمون، وكان النجاح حليف أول فعالية في العالم للعرض السينمائي على الجمهور.

وسُجّل عرض الأخوين لوميير تاريخيا على أنه بداية لمولد السينما، مع وجود أعمال تمهيدية سابقة قام بها آخرون مثل أعمال الأميركي توماس ألفا إديسون، والأخوين الألمانيين سكالدانوفسكي.

ونظم أولئك الرواد الآخرون عروضا للأفلام في مسرح فينترجارتن ببرلين قبل الأخوين لوميير بـ4 أسابيع، ولكن الجهاز الذي استخدمه الأخوان لوميير للتسجيل وإعادة عرض الصور الفوتوغرافية المتحركة كان متقدما على جهاز عرض الصور المتحركة للأخوين سكالدانوفسكي، الذي كان يعرض 24 صورة متعاقبة فقط.

ومنذ ذلك الحين بني فندق فاخر محل مقهى غراند كافيه بالقرب من دار أوبرا غارنييه بباريس، ومع ذلك وضعت لوحة معدنية عند واجهة فندق سكريب الكائن في شارع بلوفارد دي كابوسين الشهير، على سبيل التقدير والتذكار للموقع الذي شهد مولد السينما.

وبعد مدة من عرض الأفلام الصامتة في المقاهي والمسارح وخيام السيرك انتقلت العروض إلى دور السينما المخصصة لها.

منصات البث المباشر والجائحة تهددان بالقضاء على دور السينما بعد 125 عاما من الرواج
قاعة في ماليزيا ممتلئة جزئيا فقط بسبب القيود التي فرضها وباء فيروس كورونا (الألمانية)

تطورات ثورية

واليوم انتشرت دور السينما التي يوجد بداخلها شاشات عرض منفصلة، لتزيح قاعات العرض التقليدية، وظهرت آلات العرض الرقمية لتحل محل نظيرتها الميكانيكية، وبدأت منصات البث المباشر للأفلام على الإنترنت تجلب مزيدا من الأفلام السينمائية إلى بيوت المشاهدين، حسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية.

وهذه التطورات الثورية غيرت سلوك المشاهدة لدى الجمهور، فصار بوسع المشاهدين الاستمتاع بأفلام منتجة حديثا بسهولة وهم جالسون على أرائكهم.

وأكثر من ذلك فقد تجاوزت إيرادات خدمات البث المباشر الرقمية، مثل نتفليكس وأمازون برايم، إيرادات دور السينما التقليدية، مما أحدث تغيرات جذرية في نشاط السينما التجاري الذي يرجع تاريخه إلى أكثر من 100 عام.

وهنا يبرز السؤال: هل تقتل منصات البثّ المباشر الرقمية دور السينما؟ فإلى جانب هذا التطور، زادت جائحة كورونا من انتشار هذا السؤال الذي كان يتردد على ألسنة مشغلي دور السينما وصناع الأفلام. إذ يمكن للأزمة أن تعني نهاية دور السينما التي اضطرت إلى إغلاق أبوابها أثناء تفشي الجائحة.

تعددت التهديدات

ويقرّ الجميع بأن هذا التطور لا يمثل المرة الأولى لتوقع نهاية دور السينما، منذ بداية رحلة السينما، مع أول عرض لها داخل قبو بفرنسا، إلى عرض الأفلام على شبكة الإنترنت، فهذا التوقع له جذوره وإن كان ليس بالحدة الحالية منذ تراجع حضور المتفرجين في دور السينما، بعد انتشار التلفاز في الخمسينيات من القرن الماضي.

ومع ذلك فإن حجم الأزمة الحالية جعل التساؤل بشأن الشكل الذي ستبدو عليه دور السينما في المستقبل أكثر إلحاحا من ذي قبل.

ويعتقد كثيرون ممن يعملون في قطاع دور السينما أن هذه الدور بحلّتها التقليدية لا يمكنها أن تبقى على قيد الحياة، ويرى المنتج السينمائي والتلفزيوني أولي أسيلمان أن تجربة مشاهدة الأفلام داخل دور السينما لا يمكن أن تنتعش إلا إذا قدمت شيئا مميزا مرة أخرى، الأمر الذي يعني تقديم ابتكارات مثل تنسم رائحة المناظر التي تعرض على الشاشة أو إتاحة مقاعد هزازة للمتفرجين.

ومع ذلك حذّر أسيلمان من أن الابتكارات التكنولوجية تفقد سريعا جاذبيتها عند الإفراط باستخدامها، وقال إن القصص الجيدة للأفلام هي التي تبقي المتفرجين على مقاعدهم.

الدعم الحكومي

ويدعو لارس هنريك جاس الخبير السينمائي الألماني ومدير مهرجان أوبرهاوزن الدولي للأفلام القصيرة إلى تقديم الدعم الحكومي لدور السينما بوصفها مؤسسات ثقافية على غرار المتاحف.

وقال جاس إن هذا الإجراء وحده كفيل بأن يمنح مخرجي الأفلام المستقلين والسينما البديلة أملا في إحداث نوع من الحضور المستقبلي.

المصدر : وكالة الأنباء الألمانية