رغيف "العيش" في حياة المصريين.. من التقديس إلى سبب للاحتجاج السياسي

أفران الخبز الشمسي بالمنازل عادة لا يستغنى عنها أهل الجنوب - مواقع التواصل
هناك 40 نوعا من الخبز في مختلف المحافظات المصرية (مواقع التواصل)

حسن المصري-القاهرة

هو وثيق الصلة بحياة المصريين لدرجة أنهم يسمونه بلهجتهم المحلية "العيش".. إنه الخبز الذي يعد القاسم الرئيسي في طعام المصريين، وامتدت أهميته وتأثيره لدرجة أن يكون سببا في ثورات وهبّات شعبية، ويصبح هتافا رئيسيا في أبرز ثورة بالتاريخ المصري.

فها هي ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 التي خرجت لتجعل من أهدافها "العيش" (الخبز) والحرية والعدالة الاجتماعية، وقبلها انتفاضة الخبز عام 1977 التي وقعت إبان حكم الرئيس الراحل أنور السادات بعد رفع سعر عدة سلع أساسية تقدّمها الخبز.

الخبز عند المصريين القدماء
ومنذ القدم حرص المصريون القدماء على توثيق علاقتهم العميقة بالخبز، فها هو يظهر في أسطورة إيزيس وأوزوريس، إذ كانت إيزيس تصنع الخبز لزوجها للدلالة على الحب والوفاء، وها هي بردية هاريس -إحدى أكبر وأطول البرديات المصرية القديمة والمحفوظة بالمتحف البريطاني حاليا- تؤكد تقديم المصريين القدماء نحو 30 صنفا من أصناف الخبز كقرابين لمعبودهم آمون خلال عهد رمسيس الثالث.

"تبرز النقوش المصرية القديمة صناعة المصري القديم للخبز منذ 7000 عام حتى وصلت الأنواع التي يعرفها إلى نحو 100 نوع حسب المصادر التاريخية. كما أن المصري القديم يُعرف بأنه أول من عرف الخميرة منذ 4000 عام قبل الميلاد"، بحسب ما ذكره الخبير السياحي نبيل محمد للجزيرة نت.

فالمصري القديم عرف طرق تخمير الخبز وصناعته من الخميرة والشعير والقمح، وكذلك طرق الخبز حيث تنوعت الأشكال والأحجام من الشكل المسطح إلى المستطيل أو المثلثي والمخروطي، بل وعلى شكل طيور وأسماك أيضا.

وأوضح محمد للجزيرة نت أنه بمرور الوقت تحول الخبز إلى تراث ثقافي يختلف من محافظة إلى أخرى، فهناك الآن الخبز الإسكندراني والنوبي والصعيدي والشمسي والفلاحي البكوم وخبز الشعير البتاو والمدردح والكابد الصاج وغيرها من الأنواع بمسمياتها وطبيعتها وأشكالها المختلفة.

وبحسب آخر الإحصائيات حول استهلاك المصريين للخبز، يظهر أن متوسط نصيب الأسرة من الخبز البلدي المدعم يبلغ 11.4 رغيفا يوميا بمعدل 9.6 أرغفة في الحضر و12.3 في الأرياف، وهذا بحسب نتائج بحث الدخل والإنفاق للعام 2017-2018.

الشمسي
"توجد أنواع كثيرة للخبز، إلا أن أبرزها وأقدمها هو الخبز الشمسي الذي يظهر بوضوح في الآثار الموجودة بمحافظة الجيزة على هيئة نقوش ورسومات تبرز المخبز المصري القديم خلال القرن الثالث قبل الميلاد، وهو النوع الذي تستمر السيدات بجنوب مصر في خبزه حتى الوقت الحالي، بالتوارث عن القدماء المصريين منذ آلاف السنين"، وفق الخبير الأثري عبد الله زغبي.

ويضيف زغبي في حديثه للجزيرة نت أن النساء في صعيد مصر "ما زلن يحتفظن بذات الطرق الضاربة في القدم التي يتم بها خبز رغيف العيش الشمسي، والتي تبدأ من تحضير الخمير وتجهيزه وتشكيل العجين على هيئة أقراص دائرية الشكل على طبلية باستخدام الأيدي أو أداة خشبية ثم إدخال العجين إلى الفرن"، مؤكدا أن مرحلة التشميس للخبز تعد الأهم ويتم خلالها وضع العجين في مكان مكشوف أمام أشعة الشمس لكي ينضج الخبز ويصبح جافا.

وتابع أنه في دلتا مصر وبعض مناطق الصعيد، اعتاد الأهالي أيضا تناول خبز البكوم أو العيش الفلاحي المناسب لطبيعة الدلتا التي كان يعيش فيها الفلاح المصري القديم، حيث تصنع السيدات هذا النوع من الخبز باستخدام دقيق القمح. وهناك أيضا عيش البتاو وهي كلمة تعني باللغة الهيروغليفية خبز الآلهة، حيث كان المصريون القدماء يقدسونه خلال هذا الوقت، وهو يشبه الخبز الشمسي ولكنه يختلف في طريقة عمله التي تعتمد على الذرة الرفيعة. وكان هذا النوع من الخبز طعام كبار رجال الدولة والأغنياء عند المصريين القدماء.

‪فرن الخبز الشمسي الذي ما زالت تصنعه النساء في جنوب مصر‬  (الجزيرة)
‪فرن الخبز الشمسي الذي ما زالت تصنعه النساء في جنوب مصر‬  (الجزيرة)

وحسب الخبير الأثري، فإن هناك 40 نوعا من أنواع الخبز تنتشر في شتى المحافظات المصرية، مثل خبز الصاج بمناطق سيناء المصنوع من دقيق القمح، وخبز الدامبرت الذي يخبز على الحجارة، وهناك أيضا خبز الشعير المصنوع من دقيق الشعير، وينتشر هذان النوعان في محافظة الوادي الجديد بمنطقة حلايب، وهناك أيضا خبز المجردق في مطروح.

ويلفت زغبي إلى أن كل نوع من أنواع الخبز يحكي تراث المنطقة التي يوجد بها وتنوعها واختلافها عن غيرها من حيث طبيعة الزراعة وكيفية التعايش مع تلك الطبيعة، بعمل أصناف مختلفة ومتنوعة من الخبز تلقى استحسان أبناء المنطقة.

المصدر : الجزيرة