لديه 11 ألف طابع.. فلسطيني يجمع الطوابع منذ نصف قرن

عاطف دغلس-نابلس

يجر الستيني محمود كايد حقيبة بيد ويتأبط الأخرى الأصغر حجما تحت ذراعه، ويسير بجسده النحيل بحذر نحو غرفة الاستقبال ليطلعنا على "كنزه" من طوابع البريد التي مكث قرابة نصف قرن في جمعها.

في منزله وسط قرية سبسطية شمال الضفة الغربية، راح كايد يفرد طوابعه المحفوظة داخل دفاتر خاصة فوق منضدة خشبية توسطت الغرفة بما يفي بغرض التصوير والعرض معا، ومحاولا التغلب على ضيق المساحة كان يعرضها مجموعة تلو أخرى.

في مدينة أبو ظبي الإماراتية حيث تغرَّب محمود كايد (أبو مجدي) أوساط سبعينيات القرن الماضي للعمل، وجد فرصته لتحقيق هوايته وبدء مشواره في جمع الطوابع رفقة صديق له، وواصل ذلك حتى بعد عودته من هناك قبل نحو ثلاثة عقود.

يغمس رأسه الذي غزاه الشيب ليرينا طوابع فلسطينية يقول إن بدايته كانت معها وقرّبته أكثر لهوايته ووطنه أكثر، ويضيف للجزيرة نت أنه كان يرتاد مكتب البريد على الدوام ليجمع أكثر من أحد عشر ألف طابع حتى الآن لدول مختلفة عربية وأجنبية.

‪الطوابع الفلسطينية تعكس الهوية الوطنية وتعد شكلا مهما من أشكال المقاومة الفلسطينية‬ (الجزيرة)
‪الطوابع الفلسطينية تعكس الهوية الوطنية وتعد شكلا مهما من أشكال المقاومة الفلسطينية‬ (الجزيرة)

قصة الطابع
تنوعت الطوابع شكلا ولونا وحجما، واختلف مكان إصدارها أيضا، وهو ما جعله يخصص طوابع لكل بلد على حدة، ويجمعها ويصنفها بشكل فردي ليميزها عن بعضها، وليس كما يفعل الآخرون ومنهم صديقه الذي جمع بطريقة "الفرخ" -كما يطلق عليها- وهي مجموعة من خمسين طابعا متشابها تجمع رزمة واحدة.

وتختلف الطوابع كذلك في القيمة المالية لكل منها وحسب استخدامه، ولهذا فكثير من الدول تعمد إلى تغييرها سنويا سواء في رفع القيمة أو خفضها، لذا تجد في حوزة كايد مئات الطوابع لدولة واحدة، ومثلها لدولة ثانية، والعشرات منها في العام نفسه.

للعام 1937 تعود حكاية الطابع البريدي وذلك عندما قرر مدير البريد البريطاني رونالد هيل تخفيض الرسوم البريدية، واقترح نظاما جديدا لضريبة الرسوم البريدية لقاء الخدمات التي يقدمها البريد، فكان إصدار أول طابع بريدي في إنجلترا عام 1840 والذي يحمل صورة للملكة فكتوريا.

لكن لمحمود كايد تعريفه المبسط والسهل للطابع والذي يخبر به زواره، ويقول إنه أشبه ببطاقة تعريفية تحمل ثمنا ماديا يدفعه مرسل البريد، وهو يختلف عن بريد المعاملات الداخلية بين الدوائر الحكومية التي لا يمكن نزعها "وتنتهي قيمة المعاملة ووظيفتها بإزالة الطابع".

تؤكد معلومة كايد الموثقة عكس ما يتم تداوله أن بريطانيا هي أول من عمل بنظام الطابع البريدي، ويقول إن بحوزته ما هو أقدم من ذلك، وهو طابع للولايات المتحدة الأميركية عام 1839 ويحمل صورة لـ"قطار الحطب".

‪كايد يقرأ تفاصيل طوابعه ويصنفها حسب دولتها وتاريخها‬ (الجزيرة)
‪كايد يقرأ تفاصيل طوابعه ويصنفها حسب دولتها وتاريخها‬ (الجزيرة)

توثيق مهم
بين أكوام من الطوابع المتراصة، منها ما يعود للدولة العثمانية عام 1885، وأخرى للسلطنة القعيطية (جنوب اليمن)، وثالثة كانت للجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا، وأخرى لدول أوروبية وعربية بينها الكويت وقطر، وفي جعبته أيضا طوابع لفصائل سياسية فلسطينية كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، صدرت في دولة الكويت.

يقول كايد بعدما توقف قليلا عن تقليب صفحات الدفاتر إن لكل طابع حكايته ومعناه التاريخي والسياسي والثقافي أيضا، فضلا عن الواقع الاقتصادي الذي يتمتع بها بلد الطابع نفسه، فهو مؤشر على عظمة الدولة وقوتها.

ويعزز الطابع البريدي ثقافة جامعه وقدرته على الإلمام بتاريخ البلد المصدر له باعتباره توثيقا مهما لحقبة زمنية معينة، ودلالة على نهضة البلد وتطوره، فضلا عن كونه قاعدة بيانات مهمة تسهل التعريف به.

وهو ما حدا بالفلسطيني كايد لمراجعة سفارة دولة بلجيكا في أبو ظبي حين اكتشف خللا في تاريخ أحد طوابعها الذي وسمته بتاريخ 1539 حيث لم تكن وقتها طوابع.

يتفقد الحاج كايد طوابعه باستمرار ويخرجها بين الفينة والأخرى من الحقائب كي لا تتأثر بتقلبات الجو وتتلف، ويستخدم لذلك أدوات خاصة كالملقط والعدسة المكبرة التي تساعده على رؤية الطابع الذي يريد وقراءة تفاصيله بدقة ثم يعيده بحرص وبخفة يد إلى خانته.

ربما تكون التكنولوجيا وتطوراتها في التواصل الإلكتروني بين الناس أكبر مهدد لهواة جمع الطوابع من الفلسطينيين رغم قلتهم، لكنها لم تكبح جماح محمود كايد الذي تلقى قبل أيام عشرات الطوابع كهدية من مواطن في قريته بعدما سمع بهوايته في جمعها.

الطوابع تختلف في القيمة المالية وحسب استخدامها من دولة لأخرى (الجزيرة)
الطوابع تختلف في القيمة المالية وحسب استخدامها من دولة لأخرى (الجزيرة)

دعوة للاهتمام
رغم ذلك يبدو أن الجهات الرسمية ممثلة بقطاعي الثقافة والسياحة غير مكترثة بدور كايد، بينما يرى أن قريته كمعلم سياحي وأثري عمره آلاف السنين تشكل بيئة خصبة لاحتوائه في أحد المراكز الأثرية فيها وجعل هوايته عامل جذب آخر للزوار الذين لا ينفكون يطرقون بابه.

لكن عدم المبالاة قد تجعل الحاج كايد -كما يقول قريبه أحمد فارس كايد الناشط في التوثيق السياحي في سبسطية- يفكر مليا بالعزوف عن هوايته والتوجه لشيء أخطر كالتفكير في بيعها.

ويقول "هذه وثائق مهمة يجب أن تحظى باهتمام رسمي يعزز من هواية جمع الطوابع ويقدر وقت الحاج كايد وجهده".

ويردف الناشط كايد أن هذه الطوابع وخاصة الفلسطينية تعكس الهوية الوطنية، وتعد شكلا مهما في المقاومة وصراع المحتل الإسرائيلي الذي يسعى لطمس فلسطين، حضارة وشعبا.

يكاد أن يكون كايد الوحيد هو وزميل آخر في مدينة رام الله من هواة جمع الطوابع ويرجو أن تلقى هذه الهواية الدعم اللازم. 

المصدر : الجزيرة