قبور مجانية.. مبادرة عائلة غزّية لدفن فقرائها

قبور مجانية.. مبادرة عائلة غزّية لدفن فقرائها
مقبرة عائلة الأسطل غرب مدينة خان يونس جنوب القطاع (الجزيرة)

عبدالرؤوف زقوت-غزة

يبدو الأمر للوهلة الأولى أنهم مجموعة من عمال البناء الذين يضعون أساسات مبنى جديد، وهم غارقون بعملهم مركزون على التفاصيل والمساحة، لكن يخطفك السؤال سريعا، لماذا قد يبني أحدهم بين القبور؟ وعند الاقتراب منهم تتضح الصورة شيئا فشيئا.

أبناء عائلة الأسطل من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، اجتمعوا سويا داخل مقبرة العائلة غرب المدينة، لينظفوها ويحفروا داخلها القبور بشكل منظم، تلبية للمبادرة التكافلية التي اتفقوا عليها.

"قبور الفقراء"، مبادرة أطلقتها العائلة لفقرائها الذين لا يستطيعون دفع تكاليف الدفن، ليخففوا عنهم مصابهم، دون أن يشعروا بالحاجة والحرج.

بدأت الفكرة بعد الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، حيث لم تجد العائلة -حالها حال معظم سكان القطاع- الأحجار الخاصة بالقبور نظرا لارتفاع عدد الشهداء، وعدم القدرة على توفير لوازم القبر، كما يقول صاحب المبادرة أبو صالح الأسطل للجزيرة نت.

ويستذكر أبو صالح (52 عاما) موقفا من الحرب قائلا، "كنا لا نجد الأحجار الخاصة بالقبور عندما نريد دفن شهدائنا، وإذا وجدناها يكون ثمنها مرتفعا جدا، الأمر الذي أعطانا درسا كبيرا، وكان سببا في المبادرة التكافلية التي نعمل عليها".

ويضيف "هذه البلاد لا تعرف الهدوء أبدا، ولا أحد يعلم ماذا سيحدث غدا، فالمبادرة في المقام الأول تستهدف الفقراء، وفي المقام الثاني هي احتياط من أي طارئ قد يحدث".

‪شباب عائلة الأسطل خلال حفر قبور جديدة ضمن المبادرة التكافلية‬ (الجزيرة)
‪شباب عائلة الأسطل خلال حفر قبور جديدة ضمن المبادرة التكافلية‬ (الجزيرة)

يشار إلى أن 44 شخصا من عائلة الأسطل استشهدوا خلال حرب 2014 على غزة التي استمرت لـ 51 يوما، والتي بلغ عدد شهدائها أكثر من ألفي فلسطيني.

عزمت العائلة بعد الحرب على توفير القبور الجاهزة والمجانية لفقرائها، من خلال المساعدات المالية من أبنائها، إذ يتم حفر من عشرين إلى أربعين قبرا كل شهرين.

أوضاع صعبة
جميع من يعمل في الحفر أو تنظيف المقبرة هم متطوعون من أبناء العائلة، يتفقون فيما بينهم على أيام محددة من أجل بدء العمل، وقد استفادت عشرات الحالات من المبادرة في غضون ستة أعوام.

ويشير أبو صالح إلى أن معظم الأسر في ظل الوضع الاقتصادي الصعب لا تستطيع التكفل بمصاريف القبر والعزاء، مؤكدا أن "الهدف الرئيسي من المبادرة هو عدم إحراج المحتاج، وتقوية الترابط العائلي والاجتماعي".

وترفع العائلة التي تعد من أكبر العائلات في قطاع غزة، مبدأ "كرامة الفقير فوق كل شيء"، لذا فهذه المبادرة تأتي ضمن العديد من المساهمات التي يقدمها "ديوان عائلة الأسطل" للمحتاجين، في ظروف هي الأسوأ على القطاع منذ سنوات.

ويعيش أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة تحت حصار إسرائيلي مشدد، تخللته ثلاث حروب طاحنة، وانقسام بين حركتي فتح وحماس زاد من الأوضاع سوءا على المستوى الاقتصادي والإنساني.

وينوه أبو صالح بأن "الموت من أكثر الأشياء حساسية وصعوبة، ومساندة الآخرين في أحزانهم أمر مهم للحفاظ على الترابط العائلي والاجتماعي"، داعيا جميع العائلات في غزة إلى تبني الفكرة، وطرح أفكار جديدة لمساعدة المحتاجين.

الجدير بالذكر أن بعض بلديات قطاع غزة تقوم بتخصيص مساحة من الأرض لكل عائلة لإقامة مقبرة خاصة بها، وتساعد البلديات في عمليات تسوية الأرض وتنظيفها، إذ تبلغ مساحة مقبرة عائلة الأسطل على سبيل المثال 15 دونما.

‪حفر عدد من القبور لفقراء عائلة الأسطل في غزة‬ (الجزيرة)
‪حفر عدد من القبور لفقراء عائلة الأسطل في غزة‬ (الجزيرة)

مبادرات 
وتنشط المبادرات الاجتماعية والتكافلية في قطاع غزة، لمساعدة الفقراء والمحتاجين الذين يعتمدون بشكل أساسي على المعونات التي تقدمها المؤسسات الدولية، بحسب الناشط الاجتماعي محمد عرفات.

ويؤكد عرفات للجزيرة نت أن معظم المبادرات الخاصة بمساعدة الفقراء فردية ذات طابع اجتماعي وتكافلي، مشيرا إلى أن "تجربة عائلة الأسطل رائعة ويجب أن تعمم بين العائلات، ويطور عليها لتشمل جوانب أخرى".

وعن الأوضاع الإنسانية في غزة يضيف، "خلال السنوات الخمس الأخيرة، بدأت نسب الفقر والبطالة بالارتفاع بشكل كبير جدا، ونلامس ذلك بشكل حقيقي من خلال زياراتنا الميدانية، ومهما ارتفع معدل المبادرات إلا أن مستوى الفقر أكبر".

وبحسب إحصائيات وزارة التنمية الاجتماعية في فلسطين، فإن نسبة الفقر والبطالة في قطاع غزة، في عام 2019، وصلت لما يقارب 75%.

المصدر : الجزيرة