ليس للزينة والتباهي فقط.. معتقدات شعبية عديدة وراء شهرة الكهرمان

محمد الشياظمي-الدوحة

لطالما كان مثار اهتمام الناس فبرعوا في استخدامه بالزينة وصناعة الحلي والسّبح، لكن البعض وعلى رأسهم عميد هواة الكهرمان الخليجيين، شملان المسلم (أبو سيف)، يذهب إلى الاعتقاد بأنه مصدر طاقة إيجابية للإنسان، له تأثير خفي في شخصية حامله.

 

أبو سيف الذي تجاوز الثمانين من عمره بقليل، لا يتوقف عن مداعبة حبات سبحته التي يصل سعرها إلى 450 ألف دولار والمصنوعة من الكهرمان البولندي ذائع الصيت، وفي ذات الوقت لا يقبل المساومة على سعرها وقد صحبها لسنين طويلة، ولا يرى نفسه بدونها، واسمه مشهور في سوق الكهرمان بالكويت والخليج، كما أن خبرته مطلوبة لتمييز تلك الدموع التي ذرفها الصنوبر منذ ملايين السنين.

هواية أم تجارة؟
الحديث عن هذه المميزات -غير المثبتة علميا- وتأثيرها في النفس يبدو سبيلا لدى البعض لترويج تجارة الكهرمان، خاصة الخليج والمنطقة العربية، إلا أن أبو سيف -في حديثه للجزيرة نت- يقلل من هذا الهدف، ويرى أنه لا يخرج عن إطار الهواية التي لا يمنع أن تجر منافع مادية. وكونه بضاعة تخصص لها معارض يأتيها الأثرياء والمترفون، لا يحول دون اغتنام المناسبة لتعريف الجمهور بهذا الحجر وتبادل الخبرات والتجارب بين الهواة والصناع من دول العالم كافة.

ولهذا الحجر -الذي يفوق سعره سعر الذهب- خصائص جمالية في أيدي الرجال والشباب الخليجيين، ويحرص كثير منهم على اقتناء أجوده وأغلاه ثمنا، بل صار من متطلبات "الكشخة" (المظهر الفاره) تماما كالساعات الفخمة، وهو الذي كانت له استخدامات أخرى في الماضي لا تتعدى مقابض العصي وحلي النساء.

في هذا المعرض الدولي الذي يعد ثاني أكبر معرض عالمي يختص بخامة الكهرمان بعد المعرض الدولي الذي يقام في بولندا، تشارك 13 دولة عربية وأجنبية من بينها روسيا التي تحتكر 90% من هذا الحجر عالميا، إلى جانب مشاركة جمعيات وهيئات دولية متخصصة في الكهرمان، تتوزع جميعها على تسعين جناحا ومنصة عرض.

وكقيمة مضافة لمعرض الكهرمان، تنظم فعاليات مصاحبة منها محاضرات وندوات تتناول ثقافة اقتناء مشغولات الكهرمان بما في ذلك سبح الكهرمان، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة أمام التجار والمهتمين لعقد لقاءات عمل.

العنبر الأشهب
عرف الكهرمان أيضا باسم العنبر أو العنبر الأشهب، وهو عبارة عن مواد عضوية نباتية ذات رائحة زكية، تحجرت ومن ثم تشكلت منذ آلاف السنين من أشجار صنوبرية منقرضة تدعى الرانتج.

وقد اختلف في أنواعه أهي ثلاثة أم خمسة، إلا أن المشهور منها البحري والبركاني والبري، ويبلغ أحدث عمر لهذه الأنواع نحو أربعين مليون سنة، وأقدمها ثلاثمئة مليون سنة، وأكثر ما يميز الكهرمان أن سعر الغرام الواحد يزيد مع مرور الوقت.

أما عن ألوان الكهرمان فهي تتخذ الأصفر الذهبي والأصفر الداكن المائل للبني والأسود، وهناك أنواع نادرة تتخذ الأزرق والأخضر، وتحتوي بعض أحجار الكهرمان على حشرات ومخلوقات منقرضة.

وقد حظي حجر الكهرمان والجواهر المصنوعة منه بتقدير عال في الثقافات والعصور المختلفة، والمثير أن تاج الفرعون توت عنخ آمون نفسه المحفوظ في المتحف المصري بالقاهرة كان مزينا بقطع من كهرمان البلطيق، المصدر الأول للكهرمان. كما احتل مكانته في الأدب والشعر العربي والموروث الثقافي كمفردة تراثية، استخدمها العديد من الأدباء والشعراء والفنانين في إبداعاتهم.

يعترف أبو سيف بريادة الكويت في مجال صناعة الكهرمان منذ ستينيات القرن الماضي، إذ كانت محطة مهمة في تجارة الكهرمان، بفضل الأيادي الماهرة التي كانت تشتغل في صناعته، وأيضا لأنها كانت قبلة للصناع الأجانب خاصة الأتراك البارعين، وهو اليوم لا يتخوف من ضياع هذا الفن أو ضعف الخبرات القادرة على تمييز الكهرب الحقيقي من المزيف في سوق عالمية تتسع يوما بعد يوم.

ولا يخفي رغبته في بناء تعاون خليجي يشمل الجيل الصاعد، من أجل تعمق المعارف حول صناعة الكهرمان والخبرات التي يجب أن يتمتع بها المشتغلون به، وأيضا توسيع دائرة الحرف اليدوية التي يمكن أن يكون الكهرمان خامتها الأساسية.