محمد الشرايطي.. فنان تونسي يحول بقايا الحديد إلى قطع فنية

منيرة حجلاوي_حصان محمد الشهير يدل المارة على ورشته_تونس-نابل_خاص الجزيرة نت
مجسم لحصان صنعه محمد الشرايطي من قطع حديدية متنوعة (الجزيرة)

منيرة حجلاوي-نابل

تنساب القطع الحديدية الصلبة بين يدي الفنان التونسي محمد الشرايطي كانسياب مياه نهر هادئ، فتشكل منحنيات وزوايا تتشابك فيما بينها بشكل منتظم وفني، لتخرج في هيئة مجسم ثور قوي يتأهب للهجوم.
 
في ورشته الصغيرة على الشارع الرئيسي بمنطقة براكة الساحل بمحافظة نابل (جنوب شرق)، يعمل محمد (53 عاما) بجد محمد لإنهاء طلب أحد زبائنه عبر لحم بقايا الآلات الميكانيكية من براغي وسلاسل وأسلاك ببعضها البعض.
مجسم عملاق لغوريلا صنعه محمد الشرايطي في ورشته(الجزيرة)
مجسم عملاق لغوريلا صنعه محمد الشرايطي في ورشته(الجزيرة)
أصابع ذهبية
تشتغل أصابعه الذهبية، كما يسميها كل من عرف محمد، بسلاسة متقنة فتليّن الحديد القاسي وتطوعه وهو الذي أطفأ 25 شمعة من خبرته في الحدادة الفنية.
 
بعد غسل بقايا الآلات الميكانيكية، ينطلق محمد في تشكيل مجسمه بصنع الرأس وصولا إلى بقية الأجزاء، ثم يتولى عند الانتهاء من المجسم حرقه بالنار لتخليصه من الزيوت والشوائب والأوساخ، ويختتم بعملية الدهن حسب طلب الزبون الذي تارة يرغب بدهن قطعته، وطورا يحبذها كما هي بلون الحديد الطبيعي.
 
درس محمد -وهو ابن منطقة الرديف بمحافظة قفصة بالجنوب الغربي- إلى حدود الصف الخامس ولم يكن مميزا في الدراسة، بل شفعت له موهبته الخارقة في الرسم والنقش على البلور والرخام في النجاح بـ"الإسعاف" (إجراء تربوي وعلمي يقضي بنجاح التلميذ حتى في صورة عدم تحصيله للعلامة الكاملة تجنبا لخروجه المبكر من الدراسة أو مراعاة لحسن سلوكه).
محمد الشرايطي يصنع مجسماته من قطع حديدية لسيارات أو دراجات نارية(الجزيرة)
محمد الشرايطي يصنع مجسماته من قطع حديدية لسيارات أو دراجات نارية(الجزيرة)

وكان محمد خلال دراسته يطلق العنان لخياله الرحب ويملأ قاعات الدروس رسومات في غاية الروعة والإبداع لا يصدق كل من يراها أن طفلا في عمره رسمها، ولم يكن -على عكس أشقائه- يطلب ألعابا كهدايا الأعياد وإنما كان يصنع هداياه بنفسه من بقايا العلب والأسلاك الحديدية لشدة ولعه بالأعمال اليدوية.

ويسترجع محمد في حديثه للجزيرة نت ذكريات طفولته الحلوة، و يقول "كان السياح الأجانب كثيري المرور عبر منطقتنا، وأذكر جيدا تعابير الدهشة التي تعتريهم لما شاهدوه من جمال أعمالي، حتى أن أحدهم شجعني على الاستمرار قائلا إني مشروع فنان استثنائي".

حياة كريمة
بدأت رحلة الشرايطي الفعلية مع امتهان الحدادة الفنية والإنتاج منذ بلوغه سن الثالثة عشرة من العمر، وهي تدرّ عليه ما يوفر له حياة كريمة له ولأسرته الصغيرة.

وتختلف أسعار التحف الفنية التي تبدعها أنامل الشرايطي الذهبية باختلاف أحجامها وأشكالها، وتتراوح بين 100 دينار (33 دولارا) للقطعة الصغيرة و15 ألف دينار (5000 دولار) لذات الحجم الكبير.

وتُقدّر المجسمات الخيالية التي يشارك بها في معارض دولية بأسعار باهظة يحددها العارضون العالميون الذين يعطون قيمة وأهمية بالغتين لموهبة محمد، كما يؤكد للجزيرة نت.

ولا يجد محمد صعوبة في توفير المواد التي يقدمها له أصحاب الورشات مجانا أو يجلبها زبائنه الذين يسلمونه بقايا سياراتهم ودراجاتهم ويطلبون منه تحويلها إلى قطع معينة يشترونها منه فيما بعد، في حين لا تقتصر قدرته في تشكيل الحديد إلى مجسمات حيوانات فحسب وإنما يصنع منه لوحات وأثاثا منزليا وأبوابا وكل ما يتعلق بالديكور المنزلي وبأحجام كبيرة تتطلب دقة ومهارة فائقتين.

محمد الشرايطي ولع بالنحت والطلاء منذ الصغر (الجزيرة)
محمد الشرايطي ولع بالنحت والطلاء منذ الصغر (الجزيرة)

شهرة واسعة
لم تلاق طريقة محمد المتقنة في صنع المجسمات -خاصة ذات الحجم الكبير- استحسان التونسيين والمسؤولين عن الفنادق والحدائق العمومية فحسب، وإنما أكسبته شهرة واسعة وجذبت انتباه السياح الأجانب من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا يأتونه خصيصا لاقتناء قطع معينة.

كما تزين أعماله معارض عدد من كبار الرسامين التونسيين الذين اختاروا وضعها في مداخل معارضهم، مما أكسبه ثقة ومسؤولية كبيرتين لمزيد من الإبداع في مجال الحدادة الفنية، وهو بصدد التحضير لصناعة أجسام متحركة.

وتتعدى علاقة محمد بموهبته علاقة موظف عادي بمهنته إلى علاقة شغف وعشق يتجددان كل يوم ويسعى إلى تمريرهما إلى ابنته التي ورثت عنه هذه الموهبة ولا تنفك تفاجئه بأفكارها الخارقة والمبدعة.

المصدر : الجزيرة