وزان المغربية.. مدينة تصوف عريقة يهددها النسيان والإهمال

وزان بوابة الريف
مدينة وزان تلقب بباريس الصغرى ولها جذور تاريخية عريقة (الجزيرة)

مريم التايدي-المغرب

لقبت بباريس الصغرى وريحانة الجبال والمدينة الحصينة، وغالبا ما يقرن اسمها بـ "دار الضمانة"، هي مدينة وزان التي لا يتفق المؤرخون لها على أصل تسميتها لقدمها في التاريخ. وارتبطت في أذهان المغاربة بقداسة أرضها وبركتها، في نوع من التصديق والإذعان لقوتها الروحية.

ووزان واحدة من المدن المغربية الصغيرة التي لعبت دورا بارزا في تاريخ المغرب، وشهدت التوسع والازدهار قبل أن تطالها دورة النسيان وبعض الإهمال حتى سماها أبناؤها بالمدينة المنسية.

مدينة وزان تسمى بدار الضمانة لما شكّلته من مأمن للمحتمين بها(الجزيرة)
مدينة وزان تسمى بدار الضمانة لما شكّلته من مأمن للمحتمين بها(الجزيرة)

تاريخ عريق
تقول بعض الروايات إن أصل المدينة يعود إلى عهد الرومان، وإنها شكلت طريقا تجاريا بين "وليلي" (مدينة رومانية بالوسط المغربي) وطنجة، في حين تخلص بعض التحقيقات التاريخية إلى أن مدينة وزان أسسها بنو مَرِين حوالي 786 للهجرة/ 1384-1385م، ونسبوا ذلك لمخطوط "الإشارة والبشارة في تاريخ بني مسارة" الذي يستند إلى مخطوطات بني مسارة -واحدة من أكبر القبائل الجبلية بالمنطقة- التي سجلت عن وزان ما وقع لهم بسوقها زمن المرابطين وأيام الموحدين من حروب مع قبيلة "مصمودة" في ذلك الوقت.

سلطة روحية
لم تظهر وزان بوضوح في كتب التاريخ إلا بعد نزوح مولاي عبد الله الشريف (1596-1678) في منتصف القرن الحادي عشر الهجري من جبل العلم (شمال المغرب) فأسس بها زاوية صوفية شاذلية عرفت بالزاوية الوزانية.

وبدأت المدينة منذ هذه الفترة تعرف اتساعا حضاريا وعلميا وثقافيا بموازاة مع الشهرة المتنامية للزاوية الوزانية، وأصبحت منارة للعلم ومحجا لمريدي المعرفة بينما كان لشيخها دور التحكيم والسلطة الروحية والمعرفية، وقام وأحفاده بأدوار حاسمة في الوساطة بين المخزن (النخبة الحاكمة أو النظام) وقبائل منطقة المدينة ومحيطها.

دار السقف واحدة من معالم وزان القديمة(الجزيرة)
دار السقف واحدة من معالم وزان القديمة(الجزيرة)

خزّان ثقافي
لا تزال مدينة وزان تفرض إشعاعها الديني عبر بوابة السياحة الدينية واحتضان موسم مولاي عبد الله الشريف وملتقيات دولية حول التصوف والسماع الصوفي (الإنشاد). وتمتاز بموروث ثقافي خاص وتسمى المدينة الحصينة لخلوها من الحانات ولأنها شكلت على مر العصور ملتقى للطرق، في حين لم تُحط بأسوار ولا بوابات محصنة، ومثّلت دار ضمان (حصنا آمنا) لمن دخلها من الثوار والمتمردين.

وتشتهر المدينة بمعالمها المتعددة مثل ضريح مولاي عبد الله الشريف والحمام القديم والمسجد والمسيد (مدرسة أو كُتّاب لتعليم القرآن) والفرن، وساحة الزاوية والأقواس والدروب المحيطة بالزاوية، بالإضافة إلى ضريح مولاي التهامي الذي يعد مزارا بارزا ضمن مزارات عشاق التصوف والسياحة الدينية.

وتمتاز وزان بمعلمة باب فَتحة التي تعود إلى القرن السابع عشر وباب الجْمُوعة (باللهجة المحلية) وسوق الحايك الذي يحفظ نمط النسج القديم والسويقة وحي الملاح (ملجأ المهجرين اليهود من الأندلس).

وتحتفظ كل دروب وزان بمعمار قديم وبعضها بنمط العمارة الإسلامية التي تمتاز بانفتاح النوافذ لداخل الدار، ومن معالمها الحديثة مبنى الساعة بساحة المدينة بني على عهد الحماية الفرنسية.

ساحة الزاوية الوزانية أحد معالم مدينة وزان(الجزيرة)
ساحة الزاوية الوزانية أحد معالم مدينة وزان(الجزيرة)

مدينة الصوف والحرف
يحتفظ حي القشريين بحرفة غزل الصوف ويبدع النساء في غزل خيط الصوف الوزاني الخاص الذي ميز الخرقة (الثوب الخاص بصناعة الجلباب) الوزانية عن غيرها من الأثواب المنسوجة من الصوف، ويأتي بعدهن دور الدرازين (النساجين التقليديين) في طريقة متكاملة، جعلت من الجلابة الوزانية منتجا فريدا تم تطويره عبر قصات عصرية وصلت به إلى العالمية (مونطو "معطف" الصوف الأصيل بعلامة صنع بوزان).

كما تمتاز وزان بالحرف التقليدية المتعددة، منها طرق الحديد والنجارة والخراطة وتسمى بها بعض أحيائها (الحدادين والخراطين وسوق الحايك).

 زيتون وخضرة
تعتبر شجرة الزيتون واحدة من مميزات مدينة وزان فهي تستند عليها في نموذجها الاقتصادي والتنموي، كما تستند على صلابة جبل بوهلال وراءها، وتنتشر أشجار الزيتون بإقليم وزان على مساحة مزروعة تقدر بـ63 ألفا وثمانمئة هكتار وبإنتاج سنوي يصل إلى خمسين ألف طن تقريبا.

وفي مبادرة فريدة، قاد الناشط المدني كريم الرواعي فعالية لتزيين أزقة وزان وصباغة جدرانها باللون الأخضر.

ويقول في حديث مع الجزيرة نت، "كان طموحنا أن نعيد للمدينة بعض تألقها، فزيّنا بعض الأزقة ونظفناها ليجد الزائر لوزان مكانا يليق بأخذ صور تذكارية.. لقد اخترنا اللون الأخضر لارتباط مدينة وزان بالشجرة المباركة ولارتباطها بالموروث الديني".

ويقول الرواعي، إن مدينة وزان تم التفريط فيها وتعاني من استقطاب سياسي ومصلحي يجعلها تحت وطأة لوبي فساد يزيد في تهميشها.

بحيرة بودروة في محيط وزان (الجزيرة)
بحيرة بودروة في محيط وزان (الجزيرة)

مؤهلات غير مستغلة
يعتبر موقع وزان الجغرافي والطبيعي إستراتيجيا، غير أنها تعيش حاليا وضعا لا يرضي ساكنها ولا زوارها، ويظهر مدى الإهمال الذي طالها رغم البرامج المسطرة (المعتمدة) التي تتحدث عن تأهيل المدينة ومقوماتها الطبيعية والمجالية والتاريخية.

ويقول الناشط المدني عثمان المودن في حديث مع الجزيرة نت، إن أبناء المدينة اليوم يشفقون عليها وينقسمون بين متغن بماضيها وبين متفرج باكٍ على حالها، محملا المسؤولية للتسيير المحلي (الإدارة المحلية أو البلديات).

ويؤكد أن النموذج الاقتصادي والتنموي الذي جعل وزان تعتمد على المقومات الفلاحية (الزراعية) غير ذي جدوى، مشيرا لضرورة الاعتماد على النشاط السياحي، وخاصة السياحة الجبلية والدينية.

 شباب بالمدينة عملوا على صباغة جدران المدينة ضمن مبادرة حضارية(الجزيرة)
 شباب بالمدينة عملوا على صباغة جدران المدينة ضمن مبادرة حضارية(الجزيرة)

وتعتبرمدينة وزان واحدة من المدن العتيقة بالمغرب التي تحفظ تراثا حضاريا متنوعا، وتختزن نمط حياة وعيش يضرب بجذوره في أعماق التاريخ، وتنتصب ذاكرةً حيةً شاهدةً على مدينة سابقة في التحضر.. فهل يعود بريقها يوما؟

المصدر : الجزيرة