مصانع لا تشغل سوى ذوي السوابق الجنائية في إيران

أثبت العاملون جدارتهم في العمل وبأنه إذا هيئت لهم بيئة مناسبة لا يعودوا لسكة الماضي. وكالة ايسنا
ألف شخص من أصحاب السوابق الجنائية يعملون في المصانع بعد مبادرة تشغيلهم (الصحافة الإيرانية)
محمد رحمان بور-إيران

برزت أخيرا في بعض المناطق الإيرانية مبادرات رائدة تهدف إلى خلق بيئة عمل مناسبة لأصحاب السوابق الجنائية لإعطائهم فرصة جديدة لبناء مستقبل مختلف وإصلاح أخطائهم السابقة، وذلك عبر إنشاء مصانع يتم منحهم فيها أولوية العمل.

وأنشئت لهذا الغرض مصانع منتجات الزيتون في مدينة مشهد شمالي شرقي إيران، شرطها الأساسي للعمل أن يكون لدى المتقدم ملف جنائي أو أن يكون مجرما سابقا، كما تستقبل ربات المنازل اللواتي يغيب عنهن معيلهن كالأب أو الزوج.

وتحسنت نظرة الناس تجاه المجرمين في المنطقة، ولاقى المشروع إقبالا كبيرا بين أوساط المجتمع الإيراني والإعلام الداخلي والخارجي، في وقت أثبت فيه العاملون جدارتهم في العمل، كما أثبتوا أنه بمجرد توفّر ظروف حياة مناسبة لهم سيحميهم ذلك من الوقوع في براثن الجريمة.

  تم تأهيل حوالي أربعة آلاف صاحب سوابق جنائية للعمل في المصانع (الصحافة الإيرانية)
  تم تأهيل حوالي أربعة آلاف صاحب سوابق جنائية للعمل في المصانع (الصحافة الإيرانية)

تحديات مجتمعية
ويطرح المجرمون وأصحاب السمعة الاجتماعية السيئة ومتعاطو المخدرات والمسجونون لفترات متفاوتة زمنيا تحديا حقيقيا لأي مجتمع يوجدون فيه بسبب استعدادهم -أكثر من غيرهم- لارتكاب الجرائم مجددا ما لم يتم تثقيفهم ومعالجة مشاكلهم وإعادة دمجهم في المجتمع.

ويقول صاحب المبادرة والمصانع التي تشغل أصحاب السوابق الجنائية علي رضا نبي في حديثه للجزيرة نت "عشت في عائلة كبيرة وفقيرة جدا، وعملت منذ صغري في مجالات عدة وتعاملت مع جميع المجرمين في حينا الفقير الذي كنا نسكن فيه حتى إن واحدا من إخواني كان من مدمني المخدرات".

ويضيف "كنت أشعر بوجع هذه الطبقة من المجتمع، ولمست مصائبهم وكنت أفكر دائما في كيفية مساعدتهم وخدمة المجتمع وحين أصبحت غنيا وأستاذا جامعيا عدت إلى منطقة طفولتي وبدأت بإنشاء مشاريع اقتصادية صغيرة لمدة 10 سنوات، وخلال هذه المدة تجمع حولي جميع الفقراء وأصحاب السوابق وساعدوني بكل إخلاص لشعورهم بأنني مثلهم وأود مساعدتهم لحل أكبر معضلة تواجههم وهي العمل".

ويكشف صاحب المبادرة أنه أنشأ أول مصنعين لمنتوجات الزيتون في مدينة مشهد، والثالث في مدينة مينودشت شمالي إيران، وأنه يعمل حاليا في تلك المصانع ألف شخص من ذوي السوابق الإجرامية، وأنه تم تأهيل حوالي 4 آلاف عامل خلال هذه السنوات في المصانع، وإرسالهم إلى باقي مصانع البلد.

‪‬ يسمح لربات المنازل اللواتي يغيب عنهن المعيل بالعمل في المصنع(مواقع التواصل)
‪‬ يسمح لربات المنازل اللواتي يغيب عنهن المعيل بالعمل في المصنع(مواقع التواصل)

تضحيات
ويوضح أنه لا أحد ساعده في إنشاء مشاريعه، وأن الجميع كانوا يخافون من دعم المجرمين السابقين، وأنه اضطر إلى بيع منزله وسيارته ووضع جميع أمواله في سبيل إنشاء المصنع، وأن العمال أصحاب السوابق الجنائية بذلوا كل طاقاتهم حتى يثبتوا للمجتمع نظرته الخاطئة تجاههم ويدرك صحة توبتهم.

وتنتج المصانع التي يعمل بها أصحاب السوابق العدلية 40 منتجا من الزيتون من بينها عشرة أنواع للمرة الأولى في العالم مثل "قمرالدين الزيتون" ومربى الزيتون وعسل الزيتون ومقطر الزيتون وخبز الزيتون ومرق الزيتون وطحين بذر الزيتون، وتم اكتشافها جميعا بواسطة العمال أصحاب المواهب والكفاءات العلمية ممن زلت بهم أقدامهم وارتكبوا جرائم في أوقات سابقة.

ويتم تصدير جميع المنتوجات إلى دول عدة مثل الولايات المتحدة الأميركية وكندا وروسيا وماليزيا ودول الخليج، وتم إنشاء مصنعين في أرمينيا وجورجيا لتجاوز العقوبات الأميركية على إيران وتسهيل التصدير.

ويقول علي أحد عمال المصنع "أجبرت على السرقة بعد أن أخبرني طبيب زوجتي أنه عليّ إحضار المال لإجراء العملية وإلا ستموت، ولهذا السبب دخلت إلى السجن وكذلك صديقي مسعود الذي تعاطى المخدرات لـ13 سنة وطُرد من المجتمع واتخذ من القبور مأوى له لكنه أصبح إنسانا مختلفا الآن بعد التحاقه بالعمل في المصنع".

تعميم التجربة
وبعد النموذج التنموي الناجح للمصانع التي تشغل أصحاب السوابق الجنائية في مشهد، يجري إنشاء مصانع مماثلة في باقي المدن مثل مصنع الفراش في مدينة ساوه، ومصنع الأريكة في مدينة لرستان، ومصنع إعادة التطوير في شيراز وسط إيران.

يذكر أن علي رضا نبي صاحب الفكرة يخطط لتوسيع انتشار المصانع بالتعاون مع أفراد آخرين لتغطية كافة المناطق الإيرانية ليبلغ عددها 50 أو 60 مصنعا من أجل دعم هذه الفئة من الناس الذين سقطوا ضحايا للفقر والجهل والظلم، ويقول إن توفير سبل العيش لهم سوف يحميهم من العودة لارتكاب الجرائم.

المصدر : الجزيرة