الأطفال والفراغ.. كيف يواجه المصريون "كابوس" إجازة الصيف؟

الأندية الصيفية ملاذ الأطفال لقتل أوقات الفراغ
الأسر المصرية تواجه مشكلة سنوية خلال إجازة الصيف تتعلق بكيفية قضاء الأطفال لوقت الفراغ (الجزيرة)

 محمد سيف الدين-القاهرة

أضحت الإجازة الصيفية التي تمتد لأكثر من ثلاثة أشهر أشبه بكابوس على كثير من الأسر المصرية، وبات أغلبها يبحث عن كيفية قضائها بالتوازن بين الوضع الاقتصادي المتردي وبين حاجة الأطفال لملء الفراغ، وما يتسبب عن هذا الفراغ من مشاكل يومية.

ويبلغ عدد الأطفال في مصر (أقل من 18 سنة) نحو أربعين مليون طفل بنسبة 40%، من إجمالى السكان عام 2018، وفق تقديرات رسمية.

ويعاني أغلب الأطفال في إجازة الصيف من أوقات فراغ، لذلك ينصح الخبير التربوي وليد السيد، بإشراك الأطفال في الفرق التطوعية والمشاركة في مشاريعها التنموية في المجالات التي يفضلها الأطفال، حتى ينخرطوا بصورة قوية في المجتمع، ولا يكونوا فريسة للمشاكل النفسية السلبية التي يسببها الفراغ.

وفي حديثه للجزيرة نت طالب السيد بالسماح للأطفال ببعض الفوضى، مثل النوم في وقت متأخر عما اعتادوه خلال فترة الدراسة، فضلا عن السماح لهم بدعوة أصدقائهم إلى المنزل من حين لآخر.

ولتشجيع الأطفال على القراءة خلال الإجازة، دشن عدد من قاطني مدينة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة (غرب العاصمة) مبادرة تحت عنوان "أكتوبر تقرأ"، تستهدف المرحلة العمرية من 6 إلى 12 عاما، وفق ما أوضح القائمون على الفكرة.

بين النوادي وورش العمل
أسلوب قضاء إجازة الصيف في مصر يكشف مدى اتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء والمفارقة بين الطرفين، فهناك من يستطيع قضاء الصيف في الراحة والاستجمام على شواطئ البحر أو في النوادي، مثلما تقول آمال نجيب (موظفة في شركة مصر للطيران) إن الصيف فرصة ذهبية للأطفال لأخذ قسط راحة من أعباء الدراسة، ولممارسة هواياتهم المفضلة.

وتحرص السيدة الأربعينية -رغم انشغالها وقتا طويلا في العمل- على اصطحاب طفليها (بنت في السابعة وولد 12 عاما) للنادي خلال إجازة الصيف على الأقل مرتين أسبوعيا، وذلك لملء أوقات فراغهم.

وتختلف أسعار العضوية بالنوادي الرياضية، حيث تبدأ في الأقاليم من 16 ألف جنيه (الدولار نحو 17 جنيها)، بينما تتراوح أسعار النوادي في القاهرة بين مئة ألف للمتوسطة، وتصل لمليوني جنيه للنوادي الكبرى، أما مراكز الشباب التي تعرف بنوادي الغلابة فتبدأ من مئة جنيه وحتى ثلاثة آلاف جنيه، ولكن أغلبها لا يتوفر به خدمات جيدة.

ووفقا لتقديرات البنك الدولي هناك نحو 60% من سكان مصر إما فقراء أو أكثر احتياجا.

وعلى الجهة الأخرى، يحرص الخمسيني أحمد مفتاح على اصطحاب أولاده معه للعمل في الورشة، حيث لا يستطيع الذهاب للنادي أو دفع تكاليف دروس الألعاب الرياضية.

ويقول مفتاح (معلم بمدرسة حكومية إضافة لعمله نجارا في المساء)، إنه يفضل أن يصطحب ولديه أحمد "11 عاما" ومحمد "14 عاما"، خلال إجازة الصيف لإكسابهما مهارة فنية (صنعة) يستطيعان إتقانها في سن مبكرة، بدلا من اللعب في الشارع.

يجرم الدستور المصري عمل الأطفال قبل قضاء فترة التعليم الأساسي (أي قبل 15 عاما)، وعلى الرغم من ذلك يعمل في مصر نحو 1.6 مليون طفل أعمارهم بين 12 و17 عاما، بمعدل طفل من بين عشرة أطفال، وفق تقديرات رسمية.

وتحذر أستاذة علم الاجتماع جهاد عبد الراضي، من إجبار الأطفال على العمل فى إجازة الصيف، معتبرة ذلك نوعا من العنف ضدهم وانتهاكا لحقوقهم، ويجعلهم أكثر عرضة للفساد والانحراف.

وبينت في حديثها للجزيرة نت أن الطفل إذا كان يريد العمل لمساعدة والده في الإجازة بإرادته فلا مانع، ولكن بشرط ألا يقل عن 14 عاما ولا تزيد مدة العمل عن خمس ساعات، وأن يعمل بمهن غير شاقة تتناسب مع قدراته البدنية.

وبحسب جهاد عبد الراضي، يعاني الأطفال خلال فترة عملهم في سن مبكرة من عدة مشاكل مثل عدم احترامه لذاته والشعور بالدونية، فضلا عن التسرب من التعليم والتعرض للعنف واكتساب العادات السيئة وأبرزها التدخين، وقد يتطور الأمر ويصل لحد الانخراط في الجريمة.

وفي المناطق الريفية والشعبية يختلف الأمر، حيث يترك أغلب أولياء الأمور أبناءهم للعب في الشارع، وذلك بسبب عدم توفر أندية رياضية أو أماكن للترفيه.

لكن المشاكل اليومية التي تأتي من لعب الأطفال في الشارع أصبحت تؤرق معظم الأسر، لذلك تنصح الخبيرة الاجتماعية ليلى السعيد الأسرة بتوفير بيئة مناسبة للأطفال حتى ولو في المنزل.

وفي حديثها للجزيرة نت طالبت الخبيرة الاجتماعية الأسر بأن تجتهد في تنفيذ أي وسيلة أو فكرة تساعدها في إبعاد الأطفال عن الشارع قدر الإمكان.

وترى الخبيرة ليلى أن الأطفال عادة ما تتأثر تربيتهم سلبا من كثرة المكوث في الشارع ويكتسبون عادات سيئة، وفي النهاية تقف الأسرة عاجزة أمام معاقبة الطفل كونها أسهمت في ذلك من خلال السماح بالبقاء خارج المنزل دون رعاية.

ومن بين الأفكار التي طرحتها الخبيرة المصرية، إشغال الأطفال ببعض الأعمال اليدوية مثل اللعب بالصلصال، أو صناعة أشكال ورقية، مؤكدة أن ذلك يعطيهم ثقة بالنفس، وينمي لديهم القدرة على إنجاز المهام.

المصدر : الجزيرة