أجواء مغايرة وفتاوى عديدة.. طعم مختلف للصيام ببريطانيا

رمضان في بريطانيا
بعض الصائمين في بريطانيا يلجؤون إلى المساجد لاستشعار أجواء رمضان (الجزيرة)

عثمان بوشيخي-لندن

في أحد مساجد غرب لندن ومع اقتراب غروب الشمس، يُهرول بعض الصائمين في عجلة من أمرههم لدخول المسجد وأخذ مكان قرب بساط ملون، عُرضت عليه مختلف الأطعمة من البرياني والحليب والتمور والفواكه والعصير والمياه وغيرها من المأكولات.

عدد كبير من المصلين يجاورون بعضهم بعضا وكلُهم في انتظار رفع أذان المغرب، ومنهم من أتى بطعامه إلى المسجد كي يتقاسمه مع باقي المصلين.

يقول أمجد -الطالب المقيم في لندن منذ حوالي سنة ونصف- "رمضان في بريطانيا مختلف للغاية عن رمضان في بلدي.. لا يكفيني الوقت لإعداد وجبة الإفطار في البيت لذلك آتي إلى هذا المسجد مع صديقي، لأنه قريب للغاية من البيت الذي نستأجره".

ويؤكد أمجد افتقاده للجلسات العائلية في المجتمع البريطاني الشديد الخصوصية والفردانية، ويقول إنه يحرص قدر الإمكان على التواصل مع أسرته في الشهر الكريم للتخفيف من افتقاده للمة العائلة.

ويضيف "أحاول خلق جو شبيه بما عشتُه في بلدي طوال السنوات الفائتة خلال شهور رمضان، لدرجة أنني أحيانا أدفع بأمي وأبي إلى الإفطار عبر الإنترنت في اتصال بالفيديو ونحن نتحدث مع بعضنا بعضا.. هنا لا يوجد مسحراتي ولا مدفع للإفطار؛ أحيانا أحس بأنه لا معنى لقضاء الشهر هنا".

معروضات متنوعة للمسلمين خلال رمضان لكن الأجواء الروحانية غائبة(الجزيرة)
معروضات متنوعة للمسلمين خلال رمضان لكن الأجواء الروحانية غائبة(الجزيرة)

بريطانيا تغازل مُسلميها
ولعل أمجد واحد من الذين تستهدفهم حملات إعلامية وإعلانية تكاد تكون شرسة في شوارع كثيرة من العاصمة لندن، فهنا يمكن للمرء أن يعثر بسهولة على محلات عربية وإسلامية تحاول إسباغ نوع من الأصالة على منتجاتها لجعلها رمضانية محضة، بدءا من التمور إلى الحلويات واللحوم الحلال ووصولا إلى العطور.

المتاجر الكبرى تخصص بدورها عروضا في شهر رمضان لصالح المستهلكين المسلمين، ولا سيما أن الأمر يتعلق بثالث أكبر مناسبة اقتصادية يحتفى بها في المملكة المتحدة بعد عيدي الميلاد والفصح، وتُقدَر قيمة معاملات هذا الشهر بحوالي 200 مليون جنيه إسترليني (254 مليون دولار).

ولا غرابة في أن تُقدم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وزعيم المعارضة جيريمي كوربين تهانيهما لمسلمي البلاد كل عام بحلول شهر الصيام وعيد الفطر بعده، وأن تكشف وزارة الداخلية البريطانية عن حزمة من الإجراءات المتعلقة بتوفير الحماية لأماكن العبادة الخاصة بالمسلمين خلال رمضان.

وتأتي هذه الإجراءات في أعقاب إعلان وزير الداخلية ساجد جافيد أمام مجلس العموم ضرورة "ألا يشعر أحد بالخوف وهو يمارس عقيدته الدينية"، وذلك عقب الهجمات التي استهدفت مصلين مسلمين داخل مسجد في مدينة كرايست تشيرتش بنيوزيلندا.

من المناطق التي يُلاحظ فيها وجود إسلامي كبير في لندن منطقة أكتون غرب المدينة، لذلك توجهتُ إلى أحد المساجد هناك كي ألتقي بعارف شريفي الباكستاني الذي يُقيم في لندن منذ حوالي عقدين من الزمن، ويُشرف في المسجد مع آخرين على توفير طعام الإفطار للصائمين منذ سنوات.

كثرة الفتاوى حول طول ساعات الصيام في بريطانيا أحدثت بلبلة لدى الصائمين(الجزيرة)
كثرة الفتاوى حول طول ساعات الصيام في بريطانيا أحدثت بلبلة لدى الصائمين(الجزيرة)

ويقول شريفي "عمليات التبرع كفيلة بتوفير الطعام الذي نقدمه للمصلين والصائمين هنا ممن يعملوا طوال اليوم ولا يُمكنهم تناول وجبة الإفطار في بيوتهم.. في مسجدنا هذا يمكن ببساطة للمرء الاعتكاف في الأيام العشرة الأخيرة من رمضان، ونحن نتكفل بتوفير كل ما يلزم من مأكل ومشرب ومبيت، وهذا ما تمنعه مساجدُ كثيرة في دول إسلامية لدواع تقول إنها أمنية".

سيل من الفتاوى
يواجه مسلمو بريطانيا معضلة مع حلول كل رمضان في السنوات الأخيرة، تتعلق بمدة الصيام التي تتجاوز أحيانا 19 ساعة، وقد طفت على السطح فتاوى عديدة بعضها حث على صيام عدد ساعات يوافق توقيت مكة المكرمة (14 ساعة لا غير)، في حين دعت فتاوى أخرى إلى الالتزام بتوقيت أقرب مدينة إسلامية من بريطانيا وهي الرباط أو تونس.

هذه الفتاوى لم تلق قبول الكثيرين بلندن ومنهم من لم يستسغ فكرة تناول طعام الإفطار والشمسُ ما تزال ملتهبة في السماء، في حين أن بعضهم الآخر قال إن الدول المعنية بمثل هذه الفتاوى هي السويد والنرويج وباقي الدول الإسكندنافية التي يتقلص فيها الفاصل الزمني بين الغروب والفجر.

أحد المساجد التي يتوجه لها الصائمون في بريطانيا لتناول الإفطار الجماعيالجزيرة)
أحد المساجد التي يتوجه لها الصائمون في بريطانيا لتناول الإفطار الجماعيالجزيرة)

كما برز في السنة الحالية خلاف حقيقي بين مساجد بريطانيا بخصوص اليوم الأول من شهر رمضان، إذ قررت بضعُ مساجد الاعتماد على سُنة رؤية الهلال بالعين المجردة قبل إعلان البدء بالصوم، لذلك أخرت شهر الصيام بيوم واحد ليحل يوم الثلاثاء 7 مايو/أيار، وذلك خلافا لما يعتمده المسجد المركزي بلندن الذي يعلن أول أيام الصيام وأول أيام العيد تبعا لما تعلنه السعودية. 

المصدر : الجزيرة