يضم 10 آلاف قطعة.. متحف لخمس حضارات داخل سرداب بغزة

قدور وأواني ومواقد استخدمت بالعهد العثماني وما قبل النكبة الفلسطينية
خبراء فلسطينيون وأوروبيون أكدوا أن التحف آثار حقيقية ولها قيمة تاريخية (الجزيرة)

حنين ياسين-غزة

أسلحة وملابس عسكرية بيزنطية، وآثار عثمانية، وعمود رخام روماني، وأوانٍ يونانية، فضلا عن قذائف حجرية وعجلات طائرة حربية عملت بالحرب العالمية الأولى.. كل هذه القطع التاريخية آلاف من الآثار النادرة تجتمع في مكان واحد لا تزيد مساحته عن 150 مترا مربعا.

المكان الذي تزدحم أركانه بآثار حضارات وممالك وإمبراطوريات كانت قائمة قبل مئات السنين ليس في متحف "اللوفر" الفرنسي أو "الأكروبوليس" بأثينا، بل هو مجرد سرداب تحت الأرض يقع في حي شعبي فقير وسط مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، أحد أكثر المناطق بؤسا في العالم.

حكاية هذه القطع الأثرية بدأت قبل 35 عاما حينما بدأ الفلسطيني مروان شهوان بجمعها ووضعها في سرداب منزله حتى حوّله إلى متحف يضم ما يزيد على عشرة آلاف قطعة ما بين أسلحة مختلفة وآلات ميكانيكية مختلفة وحُلي وملابس عسكرية ومدنية وأدوات نجارة وزراعة وحلاقة وأوانٍ منزلية.

حقب تاريخية
وتعود محتويات المتحف إلى خمس حقب تاريخية وإمبراطوريات قديمة هي: اليونانية والبيزنطية والرومانية والمملوكية والعثمانية، ويمكن لأي شخص زيارة المتحف والاطلاع على معروضاته غير أن ذلك يتطلب التأكد مسبقا من وصول الكهرباء لمنزل صاحبه شهوان، لأن الإمكانيات المالية لا تمكنه من تزويد متحفه بإنارة بديلة عندما ينقطع التيار الكهربائي.

مدخل سرداب الحضارات القديمة -كما يسميه صاحبه- عبارة عن بوابة حديدية صدئة محكمة الإغلاق تحتاج لبعض القوة لفتحها يليها عشر درجات.. عند هبوطها والوصول إلى الأرض ستتسلل إلى أنفك رائحة رطوبة وغبار، فترى أولى زوايا المتحف تضم مجموعة من الأدوات الزراعية البدائية التي كانت تستخدم قبل مئة عام، مثل المنجل والمحراث وشوكة خشبية.

طاحونة قمح عثمانية (الجزيرة)
طاحونة قمح عثمانية (الجزيرة)

وعلق صاحب المتحف على أحد الجدران لافتة حديدية نقش عليها "من خيرات مولانا أمير المؤمنين السلطان الغازي عبد الحميد خان الثاني عزّ نصره".. هذه اللافتة توثق افتتاح خط سكة حديد ربط غزة ببلاد الحجاز حينها، بحسب ما قال صاحب المتحف للجزيرة نت.

أدوات من العصر العثماني
تحيط باللافتة مجموعة كبيرة من الأواني النحاسية، والقدور وأباريق القهوة والعديد من أدوات المطبخ التي كانت تستخدم في العصر العثماني وأدوات الحلاقة ومصابيح زيتية وموازين وسيوف وخناجر وأوعية مجوفة تستخدم لطحن التوابل وأوانٍ فخارية وأدوات خشبية ومعدنية للتدخين تعود جميعها لعهد الدولة العثمانية.

وفي وسط المتحف يرص صاحب المتحف مطاحن قمح حجرية وأحواض غطس للأطفال كان المماليك يستخدمونها لمباركة الأطفال -حسب عاداتهم- ومسامير حديدية طويلة كانت تستخدم في صناعة السفن والمراكب البحرية.

ويضم المتحف قسما خاصا بالتراث الفلسطيني يشتمل على ملابس فلسطينية شعبية قديمة وأثاث خشبي وبسط صوفية ملونة وآلات موسيقية، مثل الربابة والدف وأوانٍ منزلية.

 مروان شهوان يجلس بين آثار جمعها على امتداد 35 عاما  (الجزيرة)
 مروان شهوان يجلس بين آثار جمعها على امتداد 35 عاما  (الجزيرة)

الآثار الرومانية أيضا لها ركن خاص في المتحف، وتجتمع فيها نقوش وزخارف هندسية منمقة وجميلة وعدد كبير من قطع النقود المعدنية وعمود رخامي كبير ومجموعة من القدور النحاسية.

أسلحة بيزنطية
إلى جانب القطع الرومانية، وضع مروان شهوان أرضية لحمام ملكي وصندوق زجاجي يضم نقودا معدنية، وملابس عسكرية وأسلحة منها سيوف ورماح وحِراب وجميعها تعود للحقبة البيزنطية.

وفي أنحاء المتحف تتبعثر قذائف منجنيق صخرية كروية الشكل وصناديق رصاص وأسلحة نارية استخدمت في زمن الاحتلال البريطاني لفلسطين، إضافة لعجلات طائرة تعود للحرب العالمية الأولى.

ورتب صاحب المتحف في صندوق خشبي له واجهة زجاجية يعكر صفوها كثير من الغبار، مئات قطع المجوهرات النسائية المصنوعة من الفضة والأحجار الكريمة ومنها خواتم وعقود وقلائد يعود تاريخها للحقبة اليونانية.

ويقول صاحب المتحف للجزيرة نت إنه بدأ بجمع هذه القطع الأثرية قبل 35 عاما وأنه خصص جزءا كبيرا من دخله وعمله نجارا لشراء هذه القطع.

قطع أثرية حقيقية
وبحسب شهوان، فإن جميع القطع في متحفه أثرية وفق ما أكد له خبراء آثار فلسطينيون وأوروبيون اطلعوا عليها سابقا وأنه بجمعه لها والاحتفاظ بها في سرداب منزله حافظ عليها من التلف والضياع، وأنه يطمح أن يوفر لقطعه الأثرية النادرة مكانا أفضل من سردابه القديم الضيق وأن ينظم لها معارض خاصة في جميع أنحاء العالم.

تمثال حجري يعود للعصر اليوناني(الجزيرة)
تمثال حجري يعود للعصر اليوناني(الجزيرة)

ويقول مدير عام الآثار في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية بقطاع غزة جمال أبو ريدة للجزيرة نت "جهود المهتمين والباحثين عن الآثار في القطاع -ومن أبرزهم مروان شهوان- كان لها أثر إيجابي في الكشف عن كثير من الموجودات الأثرية التي تؤكد عمق الوجود الفلسطيني".

ويضيف أبو ريدة أن متحف شهوان بمدينة خانيونس يحتوي على آلاف القطع الأثرية ويوجد أيضا في غزة متاحف خاصة أخرى، عمل أصحابها على مدار سنين في جمع الآثار وحفظها من التلف والضياع، مؤكدا أن غزة مليئة بالكنوز الأثرية الموجودة في المتاحف العامة والخاصة التي تبطل مزاعم إسرائيل بأن فلسطين كانت أرضا دون شعب أو حضارة.

المصدر : الجزيرة