صلاة التراويح بالجزائر.. الحج إلى صاحب الصوت الجميل

مسجد عمر بن الخطاب
مسجد عائشة أم المؤمنين بمنطقة الرغاية يدخل منافسة استقطاب المصلين (الجزيرة)

الخير شوار-الجزائر

أصبح بعض رواد المساجد في الجزائر يلجؤون إلى وضع كراسي غير بعيد عن محراب الإمام، بعد صلاة المغرب مباشرة، ليس لأنهم عاجزون وإنما طمعا في الظفر بصلاة التراويح في الصفوف الأولى، خاصة مع المساجد التي تشهد ازدحاما كبيرا، وهي التي تشد إليها الرحال من كل مكان بحثا عن إمام صاحب صوت جميل.

أسرارا الإقبال على صلوات التراويح
تعرف كثير من مساجد الجزائر إقبالا منقطع النظير على صلوات التراويح قد يتجاوز الإقبال على صلاة الجمعة في غير رمضان، وتتفاوت نسبة الإقبال بين هذا المسجد أو ذاك، نظرا لشهرة الإمام أو لقوة حفظه أو جمال صوته أو لتحكمه في أحكام الترتيل أو لتلك العوامل مجتمعة.

غير أن جمال الصوت وعذوبته يلعب الدور الأكبر بالنظر إلى توفر مختلف المعايير الأخرى لدى كثير من الأئمة.

ويعتبر الشيخ سعيد دبيح من أشهر القراء الذين يستقطبون الناس من كل مكان خلال صلاة التراويح. وكم كانت صدمة محبيه ومريديه كبيرة عندما انتقل من مساجد الجزائر العاصمة إلى بلدة "بوقرة" بولاية البليدة (تبعد حوالي خمسين كيلومترا عن العاصمة).

السفر إلى مدينة بوقرة للصلاة
وأصبح كثير منهم يضطر لتناول وجبة الإفطار سريعا قبل السفر إلى مدينة بوقرة للصلاة خلف الشيخ دبيح صاحب الصوت الساحر، الذي أصبح أنصاره ينشرون له تسجيلات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويتشاركونها بكثير من الحب والإعجاب.

يقول مصطفى -هو سائق في شركة تجارية- إنه يفضّل أن يتنقل بسياراته عشرات الكيلومترات من أجل التمتع بالصلاة وراء صوت جميل، عوضا عن البقاء في حيه والصلاة وراء الإمام "الرسمي" الذي لا همّ له إلا إتمام حزبين من القرآن الكريم كل ليلة بغض النظر عن التسرع الكبير الذي يفقد الصلاة قيمتها -حسب قوله- "فهو لا وقت له للخشوع".

إجادة أحكام الترتيل والحفظ الجيد
أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دورا كبيرا في شهرة صوت هذا الإمام أو ذاك، مثلما يؤكده للجزيرة نت الصحفي صدّيق يحياوي، الذي يرى أن الصوت وحده لا يحدد قيمة الإمام، فهناك عوامل أخرى للشهرة لعل أبرزها إجادة أحكام الترتيل والحفظ الجيد دون أخطاء.

ويرى صدّيق أن ظاهرة الحج إلى الإمام صاحب الصوت الجميل رغم انتشارها فإنها تقلصت نسبيا في السنوات الأخيرة، بسبب انتشار أصحاب الأصوات الجميلة والمرتلين بطريقة علمية عبر كثير من المساجد.

المدارس القرآنية تؤهل قراء جيدين
يعود الفضل إلى المدارس القرآنية التي لم تعد تكتفي بتحفيظ القرآن بل أصبحت تؤهل قراء جيدين يُختارون من بين أصحاب الأصوات الجميلة ويخضعون لدورات تدريبية مكثّفة، وعند تخرجهم يتنقلون بين مختلف المساجد.

ولعل أشهر مدرسة قرآنية في هذا الشأن هي تلك التابعة لمسجد "عمر بن الخطاب" بالرويبة (حوالي عشرين كيلومترا عن العاصمة).

مسجد عمر بن الخطاب
منذ نشأته الأولى حافظ مسجد عمر بن الخطاب على ريادته في استقطاب المصلين في صلوات التراويح وحتى في صلاة الجمعة على مر السنين.

وكان البعض يعتقد أن السر يكمن في الإمام وصوته لكن بعد وفاته، لا يزال المسجد يحافظ على تلك الريادة، ولعل السر يكمن في المدرسة القرآنية التي تخرج في كل مرة كثيرا من القراء المتميزين، وفق ما يذهب إليه الكاتب عبد الحميد إيزة في حديثه للجزيرة نت.

‪مسجد عمر بن الخطاب بمدينة الرويبة يحافظ على ريادته في استقطاب المصلين وتدريب القراء‬ (الجزيرة)
‪مسجد عمر بن الخطاب بمدينة الرويبة يحافظ على ريادته في استقطاب المصلين وتدريب القراء‬ (الجزيرة)

مساجد جزائرية تستقطب المصلين
تشتهر الجزائر العاصمة بكثير من القراء الذين يحج إليهم المصلون من كل مكان، منهم الشيخ أمين كركوش إمام مسجد النجاح بحي المنظر الجميل بالقبة، والشيخ ياسين الجزائري في منطقة عين النعجة، كما كان يفعل الشيخ حمزة تاكارلي عندما كان يؤم الناس في أحد مساجد المرادية بقلب الجزائر العاصمة.

وفي بلدة الرغاية ورغم حداثته، يستقطب مسجد عائشة أم المؤمنين جمهور المصلين من كل مكان.

صدى أصوات قادمة من المشرق
يرى صدّيق يحياوي أن الأصوات المشهورة محليا هي بمثابة صدى لأصوات قادمة من المشرق.

ولئن كان الجيل القديم من القراء يرتّل على طريقة الحصري وعبد الباسط، وبعد أن سيطر صوت عبد الرحمن السديس في تسعينيات القرن الماضي عندما بدأ عصر الفضائيات، تراجع هذا الصوت كثيرا في المدة الأخيرة تاركا المجال لجيل آخر من القراء المتأثر خصوصا بياسر الدوسري والمعيقلي.

ويلاحظ عبد الحميد إيزة أنه مع انتشار أصحاب الأصوات الجميلة في كثير من المساجد، لم يعد الصوت وحده يستقطب المصلين، بل كثير منهم أصبح يبحث عن المسجد الواسع ذي التكييف الجيّد الذي يحتوي على موقف كبير للسيارات، وربما يكمن هنا الوجه الجديد للموضوع.

المصدر : الجزيرة