"زوج بغال" وإخوانه.. معابر حدودية بأسماء وطقوس غريبة

معبر زوج بغال الرابط بين المغرب والجزائر
معبر "زوج بغال" بين المغرب والجزائر مغلق منذ العام 1994 (مواقع التواصل)

محمد بنكاسم

من بين مئات المعابر الحدودية الموجودة بين دول العالم، هناك معابر تتسم بطابع الغرابة والتفرد سواء في أسمائها أو الطقوس المرتبطة بإغلاقها اليومي، أو في طريقة تحديد الخطوط الفاصلة بين حدود هذه الدولة وتلك.

المغرب والجزائر
يقع المعبر الحدودي "زوج بغال" على الطريق الواصل بين مدينة وجدة عاصمة الشرق المغربي ومدينة مغنية غربي الجزائر. ويحمل المعبر -المغلق منذ العام 1994- من الجانب الجزائري اسم "العقيد لطفي"، وقد أصبح مؤشرا تقاس به درجة حرارة العلاقات بين البلدين الجارين، المتسمة بالجمود والتنافس على النفوذ في المنطقة الأفريقية.

تتضارب الروايات في تفسير اسم معبر "زوج بغال" (بغلان)، إذ يربطه البعض بعملية تبادل المراسلات والطرود من خلال لقاء ساعييْ بريد كانا يستخدمان البغال للتنقل في أواخر القرن التاسع عشر. أما الرواية الثانية فتعتبر الاسم الحالي تحريفا لاسم عسكري فرنسي يدعى "جورج بيغيل".

وأورد المؤرخ المغربي عبد الوهاب بنمنصور في كتابه "قبائل المغرب" قصة أخرى يشير من خلالها إلى أن الاسم جاء بعد وقوع خلاف بين قبيلة من وجدة وقبيلة بني واسين حول قطعة أرضية، ادعت كل قبيلة أنها تنتمي إلى ترابها.

وللعدل بين القبيلتين وإنهاء الخلاف، حكم أحد العقلاء بينهما مقترحا أن ينطلق كل واحد على ظهر بغل في اتجاه الآخر، وحيثما يلتقيان فتلك هي الحدود الفاصلة بينهما، فانطلق الأول مشرقا من ضريح سيدي يحيى بن يونس بأرض وجدة، وانطلق الآخر مغربا من ضريح الحاجة مغنية بأرض بني واسين، فرسمت الحدود وأطلق على المكان اسم "زوج بغال".

وأصبح حال المعبر رمزا للتوتر المزمن وشبه القطيعة الرسمية في العلاقات المغربية الجزائرية، فكل تحرك على هذا الجانب أو ذاك ينظر إليه بحذر شديد.

وكانت الحدود قد أغلقت عام 1994 بعد الحادث الإرهابي الذي تعرض له فندق في مدينة مراكش وسط المغرب وأودى بحياة سياح أجانب، واتهمت السلطات المغربية أشخاصا من أصول جزائرية بتنفيذ التفجير، وهو ما نفته الجزائر.

وبسبب طول مدة إغلاق المعبر الحدودي -الذي كان يمثل شريان التجارة الحدودية بين البلدين- أصبح اسم "زوج بغال" وسيلة رواد مواقع التواصل من البلدين للسخرية، وانتقاد سلطات البلدين لمسؤوليتهما في استمرار إغلاق الحدود البرية، وما يتسبب فيه من تفرقة بين الكثير من العائلات في المنطقة الحدودية، التي يوجد بعض أفرادها في الجانب الجزائري، والبعض الآخر في الجانب المغربي.

‪باكستان والهند تجريان عروضا عسكرية منسقة كل يوم ضمن إجراءات إغلاق بعض معابرهما الحدودية‬ (رويترز)
‪باكستان والهند تجريان عروضا عسكرية منسقة كل يوم ضمن إجراءات إغلاق بعض معابرهما الحدودية‬ (رويترز)

باكستان والهند
من أغرب طقوس إغلاق الحدود بين بلدان العالم ما يجري في الحدود بين الجارتين الهند وباكستان، وبالضبط في منطقة واجا الباكستانية ومنطق أتاري الهندية، فمنذ 60 عاما يقيم البلدان عرضا عسكريا يوميا يقوم به حرس الحدود من البلدين ضمن مراسيم لإنزال علميهما من المعبر الحدودي، وإغلاقه قبيل مغيب شمس كل يوم.

ويتسم العرض العسكري -الذي يشهده جمع غفير من مواطني البلدين والسياح- بحركات متناسقة وسريعة بين جنود البلدين، مع رفع للرجل إلى أقصى علو ممكن لإظهار القوة والسرعة والإتقان. وأصبح هذا العرض رمزا من رموز الندية التي تعرفها العلاقات الباكستانية الهندية على المستويات السياسية والعسكرية.

وتثير مجريات العرض العسكري حماسة الجمهور الحاضر الذي يتفاعل بترديد أهازيج وشعارات تعلي من شأن كل بلد، وهي تتم في مكان فسيح صمم على شكل ملعب يتضمن مدرجات كثيرة لإتاحة مكان للمشاهدة لأكبر عدد من الجمهور، وهو منظر لا نظير في المعابر الحدودية في العالم.

وفي نهاية العرض، يتم إنزال العلمين ويصافح جنود البلدين بعضهما البعض بطريقة سريعة وقوية، ثم ينسحب كل طرف إلى داخل حدود بلاده، وتغلق الحدود مباشرة. وفي اليوم الموالي يتكرر المشهد نفسه على يد جنود مدربين لهذه الغاية.

وبسبب الطابع الحاد لهذا العرض العسكري، اتفق المسؤولون العسكريون في البلدين عام 2010 على التخفيف من هذه الحدة.

‪زوجان يعبران الحدود الهولندية البلجيكية داخل بلدة بارل ناسو‬ (رويترز)
‪زوجان يعبران الحدود الهولندية البلجيكية داخل بلدة بارل ناسو‬ (رويترز)

هولندا وبلجيكا
تتخذ الحدود بين هولندا وبلجيكا شكلا متشعبا متداخلا بشكل كبير عند بلدة حدودية تسمى "بارل ناسو" التي ينتمي جزء منها إلى هولندا والثاني إلى بلجيكا. وتخترق هذه الحدود المقهى الواحد والمطعم الواحد والمتجر الواحد، بل والمنزل الواحد.

فقد يستيقظ صاحب هذا المنزل في أرض هولندية ليتناول العشاء في أرض بلجيكية، والفصل في الانتماء الجغرافي لهذا المنزل أو ذاك يحسمه المكان الذي يوجد فيه رقم المنزل.

وتضم بلدية بارل ناسو الهولندية قرابة 20 جيبا بلجيكيا، ويوجد داخل هذه الأخيرة أراض تتبع السيادة الهولندية.

ويعزى السبب وراء هذا التداخل الحدودي الغريب إلى فترة العصور الوسطى، إذ وزعت أجزاء من أراضي المنطقة على مجموعة من العائلات الأرستقراطية، وعقب إعلان بلجيكا استقلالها عن هولندا عام 1831، واجه البلدان صعوبات شديدة في تحديد أراضي كل منهما، وعجزا عن التوصل إلى اتفاق، ولم يكتمل ترسيم الحدود بين الدولتين إلا عام 1995.

وقد تم توضيح الحدود داخل هذه البلدة الحدودية المشتركة عن طريق علامات صليب بيضاء مرسومة على أرصفة الشوارع، والعلامات المعدنية على الطريق.

‪منظر من جزيرة ديوميد الكبرى التي تتبع روسيا غير بعيد عن جزيرة ديوميد الصغرى التابعة للولايات المتحدة‬ (رويترز)
‪منظر من جزيرة ديوميد الكبرى التي تتبع روسيا غير بعيد عن جزيرة ديوميد الصغرى التابعة للولايات المتحدة‬ (رويترز)

أميركا وروسيا
تقع عند مضيق بيرنغ الفاصل بين روسيا وولاية ألاسكا الأميركية جزيرتا ديوميد، وتتبع الجزيرة الكبرى لروسيا، والصغرى للولايات المتحدة.

والغريب في الأمر أن الجزيرة الصغيرة التي لا تبعد عن الكبرى إلا بأربعة كيلومترات، تتأخر زمنيا عن الكبرى بـ21 ساعة، لأن الجزيرة الروسية تقع عند نهاية النطاقات الزمنية في العالم، بينما تقع الجزيرة الأميركية عند بداية هذه النطاقات.

جزيرة أنتاركتيكا
بخلاف الاعتقاد السائد بأن القارة القطبية الجنوبية -المعروفة أيضا باسم أنتاركتيكا- منطقة غير مأهولة ولا تتبع أيا من دول العالم، فإنها تعد اليوم موضع أحد أكثر النزاعات الحدودية إثارة للجدل. ويشمل هذا الأمر سبع دول هي تشيلي والأرجنتين والمملكة المتحدة والنرويج وأستراليا وفرنسا ونيوزيلندا.

وهناك أجزاء في أنتاركتيكا تتداخل مزاعم ملكيتها بين أكثر من دولة، ففي الشمال الغربي للقارة تتداخل ملكية تشيلي مع الأرجنتين والمملكة المتحدة، والغريب في الأمر أن هذه المزاعم لا قيمة لها من الناحية العملية، إذ إن الدول السبع -ومعها 43 دولة أخرى- وقعت على معاهدة أنتاركتيكا عام 1959، التي تنص على أن أي مزاعم لملكية جزء من القارة -البالغة مساحتها 14 مليون كلم2- لا تعطي لصاحبها أي حقوق سيادة.

‪تم تحديد الخط الحدودي بين كندا والولايات المتحدة داخل مكتبة هاسكل بمجرد شريط لاصق‬ (رويترز)
‪تم تحديد الخط الحدودي بين كندا والولايات المتحدة داخل مكتبة هاسكل بمجرد شريط لاصق‬ (رويترز)

أميركا وكندا
تقع مكتبة هاسكل في الحدود الشرقية بين أميركا وكندا، ويقع نصفها في بلدة ديربي لاين بولاية فيرمونت الأميركية، والنصف الآخر في بلدة سانستيد بمقاطعة كيبيك الكندية. وجرى تحديد الخط الحدودي بشريط لاصق أسود وضع على أرضية المكتبة، حيث يقع الباب الأمامي وكتب الأطفال في الجزء الأميركي، وأما باقي الكتب وغرفة القراءة ففي الجانب الكندي.

تقول مديرة المكتبة نانسي ريومري إن بعض الزائرين يتجمد في مكانه أمام الشريط اللاصق، مخافة أن يجتازه ويكون بذلك قد تجاوز الخط الحدودي بطريقة غير قانونية، إلا أن القائمين على المكتبة يشجعون على اجتياز الخط الفاصل لتعزيز فكرة إزالة الحواجز بين الناس، وتحقيق التعارف بينهما.

وثمة دار أوبرا ملحقة بالمكتبة بنيت يوم 7 يونيو/حزيران 1904، وتقع هي الأخرى على الحدود الأميركية الكندية، وقد صنفت في سبعينيات القرن الماضي مبنى تراثيا مشتركا بين البلدين.

المصدر : الجزيرة + الصحافة البريطانية + مواقع إلكترونية