يمثل الصيد الجائر للطيور المهاجرة بالأهوار العراقية واحدا من أبرز المشكلات التي تعاني منها تلك المناطق، والتي ساهمت بشكل كبير بالتأثير على التنوع الحياتي وسط عجز حكومي وإجراءات غير فاعلة.
ماجدة أيت لكتاوي-الرباط
يجول "با عبد الكريم" بنظراته في الأفق، موليا وجهه لمصب النهر المنساب بروية في المحيط الأطلنطي، باحثا عن أصدقاء ودودين اعتادوا زيارته الصباحية، حيث يستأنس بنعيقهم المرحب والحماسي.
يقول الكهل البالغ من العمر 63 عاما "راحة نفسية تنتابني حين أراهم من بعيد وأنا قادم من عملي الليلي المضني، ينسونني التعب والبرد وسهر الليالي".
أبناؤك بانتظارك
سنوات طويلة حرص خلالها "با عبد الكريم" على إطعام نوارس نهر "أبي رقراق" الفاصل بين مدينتي الرباط وسلا بالمغرب مما جعله ينسج قصة خاصة وعلاقة عميقة مع هؤلاء الطيور التي تنتظره بشوق كل صباح.
"الجميع هنا يعرف الارتباط الوجداني بيني وبين النوارس، حتى باتوا يلقبونني بـ " أبي الطيور" كما يؤكد للجزيرة نت بفرح طفولي غامر.
وإن كان هذا الحب العميق بين الشيخ وأصدقائه الطيور -الذي ترجم بزيارة يومية تتمتع فيها النوارس بوجبة فطور شهية- فإن مواطنين أبدوا اهتمامهم بهذه العلاقة الفريدة بطريقتهم الخاصة.
يحكي "أبو الطيور" للجزيرة نت كيف أن مواطنين يرمقونه قادما من بعيد محملا بكسر الخبز وقطع الفطائر وحبات الكسكسي، يشيرون إلى طيور النورس ويحثونه على المضي نحوها سريعا قائلين "أولادك كيتسَنّاوك" (أبناؤك في انتظارك).
فإلى جانب عمل الشيخ، متمثلا في الحراسة الليلية، انضافت إليه مهمة جمع كسر الخبز وبواقي المخبوزات، في حين يعمد باقي حراس العمارات المجاورة على مده بما تمكنوا من جمعه بدورهم.
صداقة غير اعتيادية
استطاع الشيخ المغربي أن ينسج حكايته الخاصة مع طيور بكماء، قد لا تعبر بالكلمات لكنها حتما تظهر حبها وتقديرها لبا عبد الكريم، الذي لا يبخل عليها بوقته ولا بجهده.
تستقبله بالنعيق والتحليق بحيوية بادية، وتتحلق حوله حد الملامسة، فلا هي تخشى أذيته ولا هو يفكر بغير منحها الطعام والأمان.
يحكي أبو الطيور أن نوارسه كانت في انتظاره على القنطرة صباح أحد الأيام، كما جرت العادة، ليقوم شاب في مقتبل العمر بإمساك إحداها بعد أن ظنت أنه يريد إطعامها.
"من جميل الأقدار أني كنت قريبا وشاهدته يفعل فعلته، استشطت غضبا واندفعت نحوه أركض وأطلب منه أن يطلق سراحها ويعتذر لها على تصرفه المشين نحوها".
لن أتوقف
يعود با عبد الكريم بذاكرته عقودا إلى الوراء، وتحديدا منتصف عام 1980، كان حينها لا يزال في ريعان الشباب، مستحضرا أول مرة أطعم نوارس "أبي رقراق".
فقد استلهم فكرة إطعام النوارس من شيخ كبير رآه يوما يقدم لها الخبز، ليقرر أن يحذو حذوه.
وبكل ثقة قطع وعدا على نفسه "توفي هو وأكملت المشوار بدلا عنه، ولن أتوقف عن رعاية طيوري إلا بوفاتي".
أما عن السر وراء المبادرة للخير والإحسان، يرى أبو الطيور أن "القلب الطيب والمعطاء يستطيع امتلاك العالم بأسره ولو كان لا يملك إلا القدر اليسير من الرزق".