الطالب "القهوجي".. يدرس القانون ويدير مقهى متنقلا بالمغرب

. طالب مغربي يبتكر مقهى متنقل
تتميز عربة محمد بأنها عبارة عن مقهى عصري يجوب الشوارع، وتقدم القهوة عن طريق آلة تحضير القهوة (الجزيرة)

عبد المجيد أمياي-وجدة

قبل أربعة أشهر قرر محمد القيلولي (22 عاما) أن يخرج من رتابة الحياة، بين مدرجات كلية العلوم القانونية بوجدة (شرق المغرب) والمنزل، وكسب المال لضمان مصاريفه اليومية، فوجد ضالته في مشروع عربة القهوة والمشروبات الساخنة، التي بدت في البداية فكرة مكررة، على اعتبار أن هناك العديد من الباعة المتجولين الذين يعرضون سلعهم بطريقة مشابهة.

لعل ما يميز عربة محمد للقهوة والمشروبات الساخنة، أنها عبارة عن مقهى عصري يجوب الشوارع، إذ اختار مبتكرها أن تقدم القهوة عن طريق آلة تحضير القهوة، كالتي تقدم بالمقاهي وبالجودة نفسها، وأيضا تقديم مشروبات ساخنة أخرى، فقط بخمسة دراهم (نحو نصف دولار)، وهو سعر منافس جدا.

يعترف القيلولي في مقابلة مع الجزيرة نت، أن فكرته كانت أكبر من ذلك بكثير، كان يطمح لصناعة عربة تقدم وجبات سريعة، بعلامة تجارية خاصة به، لكن إمكانياته المادية لم تكن لتسعفه على ذلك، وهو الطالب الجامعي الذي يتابع دراسته بسلك القانون بالفرنسية بجامعة محمد الأول بمدينة وجدة شرق المغرب.

البحث عن العربة
العائق الذي واجه محمد في تنفيذ فكرته هو العثور على شركة تصنع له عربة كما تصورها أول مرة، سهلة التعامل ولا تتطلب جهدا عضليا كبيرا لدفعها، بل تشبه في شكلها دراجة هوائية، والأهم من ذلك يمكنها أن تتحمل التجهيزات التي يتضمنها المشروع وبالخصوص آلة تحضير القهوة.

بحث كثيرا عن مصنع في المغرب، حتى كاد يفقد الأمل، فبحث في مواقع متخصصة في المشروعات الصغيرة بالخارج وعثر فيها على نماذج يمكن تنفيذها، لكن كانت تكلفتها عائقا دائما، إلى أن عثر بالمصادفة على إعلان في مواقع التواصل الاجتماعي لشركة بمدينة القنيطرة متخصصة في تصنيع هذه العربات فلجأ إليها.

وجود العربة المناسبة للمشروع كان عائقا تخطاه محمد لاحقا (الجزيرة)
وجود العربة المناسبة للمشروع كان عائقا تخطاه محمد لاحقا (الجزيرة)

مشروع مربح
منذ الشهر الأول، حقق محمد الهدف الذي كان يطمح إليه. لقد ضمن من المشروع دخلا قال إنه يكفيه لتسديد تكاليف كراء بيت، ومصاريف التنقل والدراسة وعموما كل ما يحتاجه الطالب في حياته اليومية، بل حتى مصروف مساعده الذي اختاره للتوفيق بين الدراسة وعمله الجديد.

الأرباح التي حققها محمد جعلته يطمح في توسيع مشروعه، وخلق علامة تجارية خاصة به، وهو ما شرع فيه من خلال تسجيل اسم الشركة التي أسسها، وبالتالي تسجيل حقوق الملكية الفكرية والصناعية التي يضمنها القانون المغربي كما هو الشأن في أغلب التشريعات القانونية في العالم.

وكشف محمد أن توسيع المشروع سيبدأ قريبا بصناعة عربات أخرى بالشكل نفسه، لكن بمواصفات صديقة للبيئة، إذ بدل تشغيلها بالغاز كما هو الحال مع عربته اليوم، ستعمل العربات الأخرى بالكهرباء، وستشغل كل عربة شخصين، بشكل مباشر وشخصين آخرين بشكل غير مباشر.

العربات التي ستنتجها شركة محمد ستسلم للشبان الذين يرغبون في مزاولة هذه الحرفة، سيرتبطون مع الشركة بدفتر تحملات (دفتر شروط)، على أساسه يتسلم هؤلاء الشبان العربات مجهزة، مقابل دفع نسبة من الأرباح لشركة محمد لن تتجاوز على الأرجح 10%.

وحتى يضمن فعالية أكثر، سيزود العربات بنظام خاص لتحديد الموقع، حتى يتمكن الزبائن من تحديد مكان العربة الأقرب إليهم، و في المرحلة الثانية، يسعى محمد إلى تطوير الفكرة أكثر، وفتح محلات شبيهة بالمقاهي الثقافية التي ازدهرت في عصر الأنوار، وعن هذه الفكرة يقول "لقد وجدت المحلات اللائقة، وسأعمل على تجهيزها بكل ما يلزم".

‪عبد النبي بعيوي عرض دعما على الطالب محمد القيلولي‬ (الجزيرة)
‪عبد النبي بعيوي عرض دعما على الطالب محمد القيلولي‬ (الجزيرة)

تجربة ملهمة
قبل أيام انتشرت تدوينة بين رواد موقع فيسبوك تشيد بتجربة محمد ومشروعه الذي اعتبره كثير من المتابعين، رغم بساطته، مشروعا ملهما ويشجع على المبادرة الحرة والفردية وسط الشباب، خاصة أمام معدلات البطالة وسط الخريجين التي بلغت وفق أرقام رسمية خلال الربع الأول من السنة الماضية 22.7%.

ويرى أيمن لمحرشي، وهو طالب جامعي من زبائن محمد، أنه لا يجب ربط الدراسة دائما بتحقيق المشروع الخاص، فعدد من رجال الأعمال الناجحين، كمدير شركة أمازون، أسسوا مشاريعهم الخاصة بمعزل عن مسارهم الدراسي، إذ يكفي أن تكون هناك فكرة مشروع جيدة.

واعتبر فكرة محمد جيدة ويمكن أن تتطور أكثر، وفي هذا السياق يقول المنكري نور الدين، وهو موظف بوزارة التربية الوطنية، أن الحكومة يجب أن تدخل على الخط، وتعمل على دعم أفكار الشباب، واعتبر مشروع عربة القهوة محفزا، ويمكن أن نرى مثله في المدن الأخرى.

الدعم المالي
يدرك محمد جيدا أن توسيع مشروعه يحتاج إلى دعم مالي يمكنه من ذلك، وهذا ما سيتأتى عبر مجلس جهة الشرق (هيئة منتخبة بشكل مباشر)، حيث عرض رئيس مجلس الجهة عبد النبي بعيوي دعما على محمد، ويقول بعيوي للجزيرة إن المجلس الذي يرأسه، وسعيا منه لتشجيع مبادرات الشباب، وجّه محمد لإحداث تعاونية (تنظيم يشبه الشركة يستفيد من امتياز ضريبي)، ومن ثمة الحصول على دعم كامل يمكنه من اقتناء كل ما يحتاجه لتوسيع عمله.

وأبرز المصدر نفسه أن المجلس دعم 27 مشروعا آخر، قدمها شبان لديهم اهتمامات مختلفة، في إطار تعاونيات، وهو ما وفر العديد من فرص العمل للشباب الذين يسعون لإحداث فرص العمل بأنفسهم، انطلاقا من استثمار أفكارهم، والذين لا ينتظرون دائما أن تأتي المبادرة من مؤسسات الدولة للحصول على عمل خاص يضمن لهم دخلا.

المصدر : الجزيرة