رسالة حياة من اليمن.. احتفالات على أنقاض المعالم المدمرة

مراد العريفي - الجزيرة نت-يحرص اليمنيون على مواصلة أفراحهم رغم الحرب المدمرة-ميدان السبعين-صنعاء - اليمن.. احتفالات على أنقاض المعالم المدمرة
في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء يحرص اليمنيون على مواصلة أفراحهم رغم الحرب المدمرة (الجزيرة)

الجزيرة نت-خاص

 

قريبا من الأنقاض التي خلفتها غارات المقاتلات الجوية على منصة العروض في ميدان السبعين وسط العاصمة صنعاء، تحلّق شبان يمنيون وبدؤوا الرقص على أنغام "البرعة" (رقصة من التراث اليمني)، كانوا يحتفلون بتخرجهم من الجامعة.

وعلى بعد عشرين مترا، كان جندي موال لجماعة الحوثي -لم يبلغ سن الشباب بعد- يجلس مع زميله على إحدى الكتل الإسمنتية التي وُضعت لمنع وصول العامة إلى المنصة التي قُصفت بمقاتلات التحالف السعودي الإماراتي.

وبوجه طفولي يعتليه شعر أصهب، ظل يرنو للشبان الذين تراقصوا بفرح، وفي مشهد بدا له مألوفا، تساءل عن اسم التخصص الذي درسه الطلاب المتخرجون وماذا يعني "نظم المعلومات الإدارية".

‪حرص طلابي على تخليد اللحظات الجميلة على الأنقاض (مواقع التواصل)‬ حرص طلابي على تخليد اللحظات الجميلة على الأنقاض (مواقع التواصل)
‪حرص طلابي على تخليد اللحظات الجميلة على الأنقاض (مواقع التواصل)‬ حرص طلابي على تخليد اللحظات الجميلة على الأنقاض (مواقع التواصل)

وأشار في حديث للجزيرة نت إلى أن العشرات من اليمنيين يحرصون على تخليد أفراحهم بجانب المنصة المدمرة التي استهدفتها مقاتلات التحالف السعودي الإماراتي بثلاث غارات أواخر العام 2017. وعن سبب اختيار اليمنيين لهذا المكان، يرد الفتى بحذر "يعلم الله ليش".

انتصار على الحزن
وكان موكب السيارات الذي أقلّ خريج كلية العلوم الإدارية جلال عبد الكريم من قاعة الاحتفالات جنوبي المدينة، قد جال معظم الشوارع على الأبواق، وحين مر قرب المنصة توقف عندها وبدأت الاحتفالات.

وسرعان ما انضمت مواكب أخرى للطلاب الذين احتفلوا بشهادة البكالوريوس، وبدؤوا مع زملائهم الرقص، في حالة تبدد المخاوف من قصف قد يتجدد في أي لحظة، من قِبل المقاتلات التي تحلق بكثافة في الأجواء اليمنية.

‪فتيات يحتفلن بتخرجهن في قاعة مدمرة في مدينة تعز (مواقع التواصل)‬ فتيات يحتفلن بتخرجهن في قاعة مدمرة في مدينة تعز (مواقع التواصل)
‪فتيات يحتفلن بتخرجهن في قاعة مدمرة في مدينة تعز (مواقع التواصل)‬ فتيات يحتفلن بتخرجهن في قاعة مدمرة في مدينة تعز (مواقع التواصل)

ويقول فؤاد علي وهو أحد أصدقاء عبد الكريم إنه وجد نفسه وقد ركن سيارته -التي تقود الموكب- قرب المنصة، وعلى الفور كان العشرات ينضمون إليه للاحتفال، مضيفا أن الموقف بدا مشجعا للفرح والبهجة قرب مكان مدمر.

ويضيف "في هذه الأماكن تشعر بأن طاقة من التحدي تبوح للعالم بأن حياتنا مستمرة، وأنه رغم الدمار والقصف والأزمة الإنسانية فإن الفرح لا يزال بيننا، وهذه واحدة من ميزات اليمني الذي لا يستسلم".

ويتفق معه زميله إبراهيم محمد في حديثه للجزيرة نت، بقوله إن اتجاه الناس في الاحتفال والرقص على أنقاض الدمار، يعد رسالة تحدّ في وجه آلة الموت، مشيراً إلى أن اليمنيين يصنعون الفرح من مآسيهم.

‪رقصة البرعة وهي رقصة الفرح والقتال كانت حاضرة في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء‬ (الجزيرة)
‪رقصة البرعة وهي رقصة الفرح والقتال كانت حاضرة في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء‬ (الجزيرة)

ويقول "نحن محارَبون ومحاصَرون في بلدنا، يريدوننا (السعودية والإمارات) أن ننهزم، لكن رغم ذلك سننتصر".

وفي الجهة المقابلة كان عدد من المسلحين الحوثيين المكلفين بحراسة ضريح رئيس المجلس السياسي الأعلى (أعلى سلطة سياسية للحوثيين) صالح الصماد، الذي قُتل بغارة جوية العام الماضي، يراقبون الوضع بحذر.

لن ننكسر
وهذه ليست المرة الأولى التي يحتفي اليمنيون بأفراحهم على الأنقاض، ففي مدينة تعز، جنوب غربي البلاد، نظم خريجو قسم الجيولوجيا في كلية العلوم بجامعة المدينة، حفل تخرجهم في قاعة طالها الدمار الكبير إثر القتال بين الحوثيين والقوات الحكومية.

‪الأفراح على الأنقاض بمدينة تعز (مواقع التواصل)‬ الأفراح على الأنقاض بمدينة تعز (مواقع التواصل)
‪الأفراح على الأنقاض بمدينة تعز (مواقع التواصل)‬ الأفراح على الأنقاض بمدينة تعز (مواقع التواصل)

ومنذ مارس 2015 اندلع القتال في تعز، وعقب ذلك بخمسة أشهر فرض الحوثيون حصارا كاملا على المدينة، قبل أن تتمكن القوات الحكومية والمقاومة من فتح الحصار بصورة جزئية في أغسطس/آب 2016.

وفي مشهد نادر كان الطلاب الذين اعتمروا طاقيات التخرج يسيرون ببدلاتهم الأنيقة في القاعة المدمرة، وفي كل مرة يرفعون شعار النصر، في إشارة إلى أن المدينة ستتعافى من نكبتها المتمثلة في الحصار والقتال.

وعلى غرار ذلك، نظمت السلطات المحلية في المدينة فعاليات ترفيهية، من بينها معرض "بقايا موت.. هدايا حياة"، وهي إعلان لعرض أهم الأعمال الإبداعية للشباب اليمني.

ومن بين تلك القصص الإبداعية، فريق شبابي يعمل على تحويل كل مخلفات القطع والمقذوفات التي استخدمت في الدمار والحرب إلى قطع فنية وإبداعية.

‪حفل التخرج قرب منصة العروض المدمرة في ميدان السبعين بصنعاء (مواقع التواصل)‬ حفل التخرج قرب منصة العروض المدمرة في ميدان السبعين بصنعاء (مواقع التواصل)
‪حفل التخرج قرب منصة العروض المدمرة في ميدان السبعين بصنعاء (مواقع التواصل)‬ حفل التخرج قرب منصة العروض المدمرة في ميدان السبعين بصنعاء (مواقع التواصل)

قوة الإرادة
من جهة أخرى، يقول مدير مكتب وزارة الثقافة في مدينة تعز عبد الخالق سيف إن حفلات التخرج في تعز تُنظم في قاعة 22 مايو/أيار البادي عليها آثار الحرب، وجوارها قاعة أخرى مدمرة تماما، وفيها يلتقط الخريجون الصور تخليدا لمعاناتهم.

ويضيف سيف للجزيرة نت أن الهدف من اتجاه الناس إلى النمط الجديد في الاحتفالات يعود إلى نتاج قوة الإرادة في ظل نكبة الحرب وتداعياتها.

وأشار إلى "الاحتفال بهكذا أماكن يعطي انطباع بالمظلومية وحجم المأساة التي يعاني منها أبناء تعز، وقد قلدهم الجميع في مناطق الانقلاب (المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين) لشعورهم بتأثير ذلك في الرأي العام وكسب التعاطف والتضامن".

المصدر : الجزيرة