الحداق واللفاح.. إرث قطري لم يمحه الزمن

المحامل تبحر تجاه الشط بعد انتهاء الوقت المحددة للمسابقة
المحامل تبحر تجاه الشط بعد انتهاء الوقت المحددة للمسابقة (الجزيرة نت)

محمد السيد-الدوحة

بتطور الحياة قد تندثر عادات عرفها القطري قديما، لتحل محلها ممارسات جديدة في ظل التنوع الحضاري والثقافي المعاصرين، وهذا ما سلط مهرجان سنيار الثامن الضوء عليه في احتفالية القفال لبطولتي الحداق واللفاح.

سباقات الصيد توارثها القطريون عن آبائهم وأجدادهم، وتحولت بمرور السنين من مهنة بسيطة لكسب قوت اليوم، إلى رياضة تجسد المظاهر الثقافية لاحتفالات ختام رحلات الصيد والغوص قديما، وتهدف إلى حماية الموروث البحري وتأصيله في نفوس الأجيال المعاصرة.

"يا ربنا سهل علينا.. يا عاطي الأرزاق يا الله". أنشودة رددها يزوة (البحارة) محمل فريق "شراعوة" خلال رحلتهم في بطولة الحداق، التي استمرت يومين في البحر، تعايشوا خلالها مع ماضي عالمهم الأصيل الذي يمتلئ بالألم والأمل، ويضم في جنباته ذكريات الأجداد، وفقا لعبد العزيز المحمد نوخذة (قائد) الفريق.

النوخذة المحمد -الذي قاد فريقه للفوز بلقب بطولة الحداق بوزن وصل إلى 1435 كيلوغراما من السمك- يروي أن أهل قطر تربطهم بالبحر علاقة وثيقة منذ القدم، حيث يعتبرون التراث البحري من الموروثات والتقاليد التي يحرص الآباء والأبناء على التمسك بها جيلا بعد جيل.

عبد العزيز المحمد نوخذة فريق شراعوة (الجزيرة)
عبد العزيز المحمد نوخذة فريق شراعوة (الجزيرة)

رحلات الصيد
وقال المحمد للجزيرة نت إنه في بدايات مشواره البحري في السادسة من عمره، رافق والده وأخوته الأكبر منه سنا للصيد، وبعد اكتساب الخبرة من الوالد في تحديد المياه المناسبة، والطرق الصحيحة للصيد، بدأ يعتمد على نفسه ويرافق الأصدقاء في رحلات صيد ولأماكن متنوعة.

منذ 36 عاما والمحمد يرتبط بالبحر من خلال رحلات الصيد مع الأهل والأصدقاء، ليحاكي حياة أجداده وآبائه التي يعتبرها الموروث الأول والرسالة التي يتوجب على كل أب أن يعلمها لأولاده، وتعهد بهذا الأمر عندما يتزوج ويكرمه الله تعالي بأولاد.

ويشدد المحمد -الذي تسلم "سردال" بطولة الحداق (راية البطولة) هذا الموسم- على أن مهرجان سنيار أضفى اهتماما كبيرا بالتراث البحري منذ انطلاقه للمرة الأولى عام 2012، ونجح في جذب القطريين لإحياء الموروث الشعبي الأول، وترجم نجاحه في نقل الصورة الحية لرحلات الصيد والغوص في التاريخ القطري.

وبجانب إحياء الموروث البحري، يؤكد المحمد أن المتعة والهواية لهما دور كبير في إقدامه على ركوب البحر ومجابهة المخاطر المتعددة في كل رحلة، حيث إنه يعتبر البحر ملاذه الآمن من الهموم وضغوط الحياة التي يعاني منها بين الحين والآخر.

‪أحد المتسابقين يمارس الصيد في بطولة الحداق‬ (الجزيرة نت)
‪أحد المتسابقين يمارس الصيد في بطولة الحداق‬ (الجزيرة نت)

الحداق واللفاح
صيد الحداق هو الذي يقوم خلاله الصياد بتحديد محمية أو مكان معين، ثم يمارس الصيد من الثبات، بعكس صيد اللفاح الذي يقوم خلاله الصياد بمد الخيط أثناء سير المحمل للإمساك بالأسماك الكبيرة، لكن النجاح في النوعين يعتمد على خبرات المتسابقين.

ومثلما هي الحال في قطر، يعود الموروث البحري إلى أغلب دول الخليج، وهو ما ظهر جليا في فريق "الهير" بقيادة النوخذة راشد السليطي، الذي ضم بين بحارته عمانيا وبحرينيا، يخوضان مع الفريق منافسات بطولة اللفاح على مدار يومين في رحلة إحياء موروث الآباء والأجداد.

الحزن عم وجه السليطي الذي قاد فريقه للمركز الرابع في البطولة، بعدما غاب أولاده عن المشاركة معه في المنافسات بسبب ظروفهم الدراسية، لكنه شدد على مشاركة اثنين من أولاده معه في مسابقة صيد اللؤلؤ التي ستقام بعد يومين في إطار فعاليات مهرجان سنيار.

‪وزن الأسماك وسط ترقب من النواخذة واليزوة‬ (الجزيرة )
‪وزن الأسماك وسط ترقب من النواخذة واليزوة‬ (الجزيرة )

الرياضات البحرية
وقال السليطي للجزيرة نت إنه من المواظبين على المشاركة في مختلف الفعاليات والرياضات البحرية التي تعنى بالتراث، سواء التي تخص الصيد أو الغوص أو التجديف أو الشراع التقليدي، حيث يعتبر هذه الرياضات جزءا مهما من التراث الذي قامت عليه دولة قطر قديما.

ويرى أن الدول تفرض نفسها عبر تراثها وموروثاتها التي تميزت بها عبر التاريخ، والتي تظل محل فخر واعتزال من قبل الأجيال المتعاقبة، التي تسهم جيلا بعد جيل في الحفاظ عليه حتى لا تمحيه الحياة المعاصرة بتعقيداتها.

ويعتبر السليطي أن الهدف من الاهتمام بالتراث البحري هو تعزيز هوية قطر التي تعني بطرق صيد السمك واللؤلؤ لتوثق تاريخ موروثاتها التي كانت وسيلة الحياة، ولتثبت عراقة الشعب القطري في كتاب الحضارة الإنسانية.

وسجلت النسخة الثامنة لمهرجان سنيار مشاركة 75 فريقا، بينهم 46 فريقا في بطولة الحداق، و17 فريقا في بطولة اللفاح، و12 فريقا في بطولة الغوص على اللؤلؤ، التي ستبدأ بعد غد الثلاثاء، وتستمر ثلاثة أيام.

المصدر : الجزيرة