تونس.. القبور تضيق بموتاها وتكاليف الدفن تفاقم معاناة الأحياء

امال الهلالي - تكاليف بناء القبور تختلف بحسب المواصفات واليد العاملة/ الجزيرة نت - قبور تونس تضيق بموتاها وتكاليف الدفن تزيد من معاناة الأحياء
تكاليف بناء القبور تختلف بحسب المواصفات واليد العاملة (الجزيرة)

آمال الهلالي-تونس

"خسارة الميت وخسارة الكفن" مثل شعبي تونسي بطعم الكوميديا السوداء، يتداوله كثيرون ممن فقدوا عزيزا عليهم، بعد أن تجاوز لهيب الأسعار الأحياء إلى الأموات، عبر مضاعفة السلطات تكاليف بناء القبور وعملية صيانتها.

يؤكد العم محمد الجلاصي -الذي يمتهن حفر القبور منذ عشرات السنين- أن أسعار بناء القبر الواحد شهدت ارتفاعا غير مسبوق بعد سنة 2011، مرجعا ذلك لتكاليف المواد الأساسية وفي مقدمتها الإسمنت.

ويوضح -في حديث للجزيرة نت- أن أسعار القبر الواحد تختلف بحسب الحجم والمواد المستعملة، خصوصا فيما يتعلق باللوحة الرخامية الممتدة على طول القبر، وأخرى فوقه لكتابة اسم المتوفى وتاريخ ميلاده ووفاته.

ولفت إلى أنه بالسنوات الماضية، لم يتجاوز سعر بناء القبر عشرين دينارا (سبعة دولارات) ليصبح اليوم في أقل تسعيرة ممكنة بثمانين دينارا (27 دولار) أما إذا كان البناء عن طريق شركة مقاولات فقد يتجاوز السعر ثلاثمئة دينار (مئة دولار).

 يحرص العم محمد على تنظيف القبور وصيانتها بحسب رغبة أقارب الميت
 يحرص العم محمد على تنظيف القبور وصيانتها بحسب رغبة أقارب الميت

ولا تقتصر تكاليف القبر -بحسب العم محمد- على عملية الحفر والبناء، بل تتجاوزها للطلاء والصيانة المستمرة للقبور، لكنه لا يخفي بالمقابل قيامه أحيانا بهذا العمل بشكل مجاني، مكتفيا بدعوة صادقة من أهل المتوفى في حال كان وضعهم المادي لا يسمح.

ويتجول الرجل كل يوم بين القبور، ليتفقدها ويطلي بعضها بمادة الجير الأبيض، ويزيل الحشائش من على جنباتها، بينما يقضي أياما أخرى في حفر القبور أو إعادة فتح أخرى قديمة، استعدادا لاستقبال جثامين الموتى.

ويؤكد العم محمد أن المشكل الكبير يتمثل في اكتظاظ المقابر التي بدأت تضيق بسكانها، مقابل عدم تخصيص السلطات مساحات أو أراض لبناء مقابر جديدة، مما يجبر أهالي الموتى على حفر القبر القديم وتجميع عظام الميت ثم دفن الجثة الجديدة".

جدل فيسبوكي
وكان جدل ارتفاع أسعار القبور قد تعالى هذه الأيام، إثر قرار صادر عن المجلس البلدي لمحافظ نابل شرقي العاصمة بالترفيع في أسعار بناء القبور من 120 إلى 250 دينارا مما أثار عاصفة من الانتقادات لم تخل بدورها من السخرية بين نشطاء التواصل.

وعلق بولبابة قزبار المستشار السابق لرئيس الجمهورية ساخرا عبر صفحته على فيسبوك "غلاء الأسعار يلاحق المواطن حتى في موته".

وهاجمت الناشطة أحلام الرزقي قرار الزيادة في أسعار القبور، متوجهة للسلطات بسؤال إنكاري ساخر عن تواصل حمى الترفيع في المقابر بالقول "هل تريد منا أن نموت أم ننتظر موسم التخفيضات؟".

ودون عبد الرحمن العياري عبر صفحته على فيسبوك "الترفيع في أسعار القبور، حتى الموتى لم يسلموا من أذية الحاكمين".

‪إعادة فتح القبر لدفن جثامين جديدة في ظل اكتظاظ المقابر‬ إعادة فتح القبر لدفن جثامين جديدة في ظل اكتظاظ المقابر (الجزيرة)
‪إعادة فتح القبر لدفن جثامين جديدة في ظل اكتظاظ المقابر‬ إعادة فتح القبر لدفن جثامين جديدة في ظل اكتظاظ المقابر (الجزيرة)

قطاع غير منظم
ارتفاع بناء أسعار المقابر، برره علية كريم العضو بالمجلس البلدي لبلدية نابل -في تصريح للجزيرة نت- بما تشهده مواد البناء من ارتفاع في ظل انخفاض قيمة الدينار وزيادة تكلفة اليد العاملة.

وأوضح أن السعر الجديد لا يشمل فقط بناء القبر، بل يتضمن عملية صيانة المقبرة وتنظيفها وحراستها، وهو ما لا تستطيع البلدية بمفردها القيام به فتلجأ لجمعيات تعرض خدماتها بمقابل للقيام بتلك المهمة.

ولا يزال قطاع بناء القبور وصيانتها عشوائيا وغير منظم -يقول عضو بلدية نابل- حيث يتداخل كثيرون بمن فيهم سماسرة المقاولات ودخلاء القطاع مما ساهم في غلاء أسعارها.

وبين أن الأسعار تختلف، ليس فقط بين محافظة وأخرى، بل وبين مقبرة ومقبرة في ذات الرقعة الجغرافية، بسبب غياب قانون ملزم لجميع الأطراف.

المصدر : الجزيرة