بعد مروره بـ23 دولة.. شاب مغربي يبلغ أعلى قمة بأفريقيا بالدراجة

صور لياسين رفقة دراجته بأعلى قمة بإفريقيا - تقرير أعلى جبل بالدراجة لصفحة أسلوب حياة
ياسين: تعلمت أن أكون إنسانا في وقت فقدت فيه البشرية الإنسانية (الجزيرة)

 مريم التايدي-الرباط

"سَأَضْرِبُ في طُولِ الْبِلاَدِ وَعَرْضِهَا     أنالُ مرادي أو أموتُ غريبا

فإن تلفت نفسي فلله درُّها          وَإنْ سَلِمَتْ كانَ الرُّجوعُ قَرِيباً)

هكذا قال الإمام الشافعي يوما، وهذا ما يقوله لسان حال الشاب المغربي ياسين غلام (33 سنة) الذي صب عشقه للسفر والترحال في مواقف للصبر وتحدي الصعوبات وسبر غور الثقافات.

قطع ياسين دولا وأمصارا في القارة الأفريقية، ويواصل المسير نحو آسيا، ليجد في كل منعطف عوضاً عمن فارقهم، ويذوق المر مع لذيذ العيش في النّصَب.

حلم الطفولة
"فقدت الشعور بالمحيط والزمن، لا أسمع أي صوت ولا أشعر بالبرد… إلى أن لامست تلك اللافتة المكتوب عليها كليمنجارو 5895 مترا". هكذا وصف ياسين غلام لحظة بلوغه أعلى قمة بأفريقيا الذي يعتبره حلم طفولته.

وضع ياسين قمة كليمنجارو تحديا أمام عينيه منذ انطلاقه من الدار البيضاء قبل أكثر من سنتين، مشيا، في مغامرة أسماها "مغربي على الطريق". بهاتف محمول وصفر درهم، انطلق المغامر الشاب في طريقه لاكتشاف القارة السمراء، مرّ عبر23 دولة أفريقية، التقى فيها شعوبا وقبائل، وتعارف خلالها على عادات ومعتقدات وأعراف.

يحكي ياسين، في حديث مع الجزيرة نت، أن صعود كليمنجارو يمثل له تسلقا لكل نقاط ضعفه وكل مخاوفه.

يضع ياسين روحه على كفه، ويمضي بها نحو المجهول، ويؤكد أنه لا يوجد إنسان ضعيف وآخر قوي، ولا إنسان ذكي وآخر غبي، بل توجد إرادة ونداء قلب. يقول ياسين "القوة توجد في القلب، إذا قلبك قال ممكن، سيصير ممكنا"، ويضيف "إذا كان لديك قلب كبير وابتسامة عريضة وإرادة قوية فحياتك ستكون جيدة". ويرى ياسين أن كل الناس تخاف، والفرق يكمن في التحكم بالخوف.

‪ياسين: دراجتي هي صديقتي وحبيبتي ولا أستطيع تركها لأنها مؤنستي في رحلاتي‬ (الجزيرة)
‪ياسين: دراجتي هي صديقتي وحبيبتي ولا أستطيع تركها لأنها مؤنستي في رحلاتي‬ (الجزيرة)

رفيق خاص
كل العارفين بالسفر يؤكدون ضرورة "الرفيق قبل الطريق"، وهو ما ركز عليه ياسين أيضا، لكن رفيقة ياسين خاصة جدا، صاحبته عامين متتاليين، يحملها وتحمله، يحدثها ويقتسم معها فرحته ويناجيها أوقات تعبه. يقول عنها "دراجتي هي صديقتي وحبيبتي، ولا أستطيع تركها؛ فهي مؤنسي في رحلاتي".

وعلى غير كل من ركبوا مغامرة صعود كليمنجارو، رافق ياسين دراجته للقمة، يركبها حين تسمح الطريق بذلك، ويدفعها أو يحملها حين لا تسمح الظروف.

يقول ياسين إنه ركب دراجته على علو يفوق أربعة آلاف متر، وكان إحساسه رهيبا وهو يسير بالدراجة لأول مرة على هذا العلو. كان ياسين يتحدث بنشوة وفخر عن إنجازه، لا يجد الكلمات للتعبير عن فرحه ببلوغ وجهته بصحبة دراجته. ويروي ياسين أنه لحظة وصوله للقمة ضحك وبكى وحمل دراجته عاليا وصاح بكل قوته "لقد فعلتها". 

سنتان على الطريق
غادر ياسين غلام المغرب قبل سنتين، وعبر أكثر من ثلاثين ألف كيلومتر و23 دولة أفريقية بدراجته الهوائية، وانطلق في رحلته نحو العالم بصفر درهم وهاتف، بعدها اشترى كاميرا للتصوير وحاسوب ودراجة.

يأكل ياسين وينام عند من يزورهم من سكان القرى والمدن بالدول التي يدخلها، ويكون له لقاء مباشر مع الناس، يقتسم معهم تجربته ويقتسمون معه ثقافتهم، ويسافر معهم في كل تفاصيلهم، ويندمج بسلاسة.   

يقول ياسين "تعذبت بزاف (كثيرا) وعشت قصصا خيالية وقصص حب وسعادة". أصيب ياسين بالملاريا مرتين، وتعرض للسرقة مرة، وأكل الصراصير وأكلات غريبة، ولبس لبس السكان المحليين، وشاركهم كل طقوسهم، وثقافتهم.

رحلة نحو الإنسانية
ترك ياسين وراءه عملا مريحا، وهو الحاصل على دبلوم التقني المتخصص في إلكتروميكانيك، وينحدر من أسرة متوسطة بمدينة الدار البيضاء.

اشتغل المغامر الشاب في صيانة الآلات الإلكترونية، وكهرباء المنازل، والبناء، وعلم الأطفال. وأكد ياسين للجزيرة نت أن الرحلة فتحت أبواب عقليته، وفتحت أمامه الآفاق التي كانت تكبر وتتسع أكثر عند كل محطة.

ياسين يعتقد أن عقلية الإنسان هي سجنه أو حريته، يعرف ياسين اليوم "لغات محلية" عديدة، ويتكلم الإنجليزية بطلاقة، وتعلم الكثير الذي عبّر عنه بقوله "تعلمت أن أكون إنسانا، في وقت فقدَت فيه البشرية الإنسانية". 

‪ياسين مع دراجته بأعلى قمة بأفريقيا‬ (الجزيرة)
‪ياسين مع دراجته بأعلى قمة بأفريقيا‬ (الجزيرة)

استمرار وإصرار
بعد قمة كليمنجارو التي كانت وجهة حلم الانطلاق، كبرت أحلام ياسين ليواصل رحلته، متابعا المغامرة، ووجهته مصر، وبعدها الحج، وبعدها ركوب تحدي أفريست، ويحلم بالاشتغال مع قناة للمغامرات.

يعتبر ياسين أن الوطن بقلبه، والأرض كلها مسكنه، يحمل معه علم المغرب لا يفارقه، ويشتاق لرفاقه وأهله، لكن المغامرة لا زالت تناديه.

يوصي ياسين الشباب قائلا "لا أطلب منكم أن تكونوا مثلي أو أن تتسلقوا الجبال، بل تسلقوا سلم أحلامكم وأنصتوا لقلوبكم".

بتأثر يروي ياسين كيف يؤثر فيه السكان، وكيف يترك في كل مكان جزءا منه، يفارقه مستقبلوه بالدموع، ولا يدري متى يعود. يوثق ياسين جزءا من رحلته عبر فيديوهات، ويقتسم الطاقة الإيجابية والإصرار على المضي مع الناس، ويكتب كتابا عن حياته بأفريقيا.

المصدر : الجزيرة