الترفاس.. منافع صحية ومورد رزق بتونس

حياة بن هلال ترفاس طازج بعد جمعه مباشرة تونس
الترفاس بعد جمعه مباشرة من الجنوب التونسي (الجزيرة)

حياة بن هلال-تونس

في عمق صحراء الجنوب الشرقي التونسي، ترى أناسا ينتشرون هنا وهناك من جميع الفئات والطبقات الاجتماعية، متوجهين ببصرهم نحو الأرض ويمشون ببطء بحثا عن "نبات الرعد" أو "الترفاس" أو "الكمأ".

ينضج الترفاس (الكمأة) في هذه الفترة من كل سنة بمناطق الجنوب التونسي، وتحديدا في محافظتي مدنين وتطاوين، حيث يتواصل ظهور هذا النوع من الفطر من أواخر يناير/كانون الثاني ولغاية أبريل/نيسان، وقد أصبحت الشغل الشاغل لسكان المنطقة.

تتواجد الكمأة بكثرة أيضا في دول عربية أخرى، وتختلف تسميتها من بلد إلى آخر، فتسمى في تونس وليبيا والجزائر والمغرب "الترفاس"، وفي السودان "بنت الرعد"، وفي بعض دول الخليج العربي "الفقع" أو "الكمأ".

يؤكل الترفاس بعد أن يطبخ في الماء والملح بعد تنظيفه من التراب، كما يمكن أن يطبخ مع بعض الأكلات مثل: المعكرونة والكسكسي والحساء، وهناك من يشويه على النار.

‪حبة كمأ تحت الأرض‬ (الجزيرة)
‪حبة كمأ تحت الأرض‬ (الجزيرة)

فطر بري نادر
الترفاس أو الكمأ فطر بري موسمي نادر الظهور، ينمو بعد نزول الأمطار في الصحراء تحت التربة بعمق يتراوح بين 5 إلى 15 سنتيمترا، ويكون وزن الكمأة الواحدة بين 30 إلى 900 غرام.

ينمو الترفاس بشكل يشبه حبة البطاطا، بالقرب من بعض أنواع النباتات الصحراوية وقريبا من جذور الأشجار الضخمة كشجر البلوط، ويعتبر من ألذ وأثمن أنواع الفطر الصحراوي.

والترفاس كروي لحمي رخو، وسطحه أملس أو درني، ويختلف لونهُ من الأبيض إلى الأسود والأحمر، ويكون بأحجام متفاوتة، قد يصغر بعضها حتى يكون في حجم حبة اللوز أو يكبر ليصل حجم ثمرة الرمان أو أكبر.

يعمد الباحث عن الكمأ إلى نبش الأرض وإخراج الفطر بطريقة تبدو شاقة لمن يجهلها، لكنها ممتعة لمن يعرفها، فهي تستوجب مهارة ودراية وصبرا، فهو ينمو تحت التربة ويُفقده الخدش جودته، وتدوم رحلة البحث عنه ساعات أو أياما.

‪حبات ترفاس مغطاة بالتراب حال إخراجها من تحت الأرض‬ (الجزيرة)
‪حبات ترفاس مغطاة بالتراب حال إخراجها من تحت الأرض‬ (الجزيرة)

مورد رزق
يتخذ البعض من جمع الترفاس والبحث عنه هواية وتسلية في أوقات الفراغ والعطل. يقول ناصر أستاذ التعليم الثانوي "أتيت للتسلية لا غير، فالبحث عن الترفاس ممتع جدا"، ويؤيده زميله علي "أصبحت هوايتنا جمع الترفاس فالبحث عنه يزيل ضغط العمل".

غير أن الكثيرين جعلوا منه مهنة موسمية تمثل لهم مورد رزق، على غرار محمد الشاب الثلاثيني الذي اتخذ من جمع الترفاس مهنة بعد سنوات طويلة من البطالة، ويقول للجزيرة نت "حقيقة أنقذني الترفاس من براثن الخصاصة (الفقر)، فهو يدر عليَّ مالا وفيرا والحمد لله".

وأصبح "الترفاس" يمثل مورد رزق لأهالي جنوب البلاد الشرقي، حيث يعتمد عليه عدد كبير من سكان المنطقة لتوفير المال، فيخرجون لجمعه وبيعه في الأسواق العادية أو أسواق خاصة به بعد أن أقبل الكثير من التجار التونسيين والأجانب على شرائه وتصديره إلى أوروبا وبعض دول الخليج.

‪الترفاس للبيع على قارعة الطريق بعد جلبه من الصحراء‬ (الجزيرة)
‪الترفاس للبيع على قارعة الطريق بعد جلبه من الصحراء‬ (الجزيرة)

منافع صحية
للكمأة منافع كثيرة اكتشفها الطب، مما جعل ثمنه باهظا جدا ومطلوبا في الدول الغربية والعربية، فهو يباع بأسعار مرتفعة تصل إلى 120 دينارا (41 دولارا) للكيلوغرام الواحد في بداية الموسم، ثم تنزل بتكاثره تدريجيا.

وللكمأة فوائد كثيرة، وقد روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين"، وكانوا يتداوون بـ"الترفاس" من ظلمة البصر والرمد، وبمائه تجلى العين ويقوى البصر، من ذلك قصة الصحابي أبو هريرة رضي الله عنه الذي قال: "أخذتُ ثلاثة أكمؤٍ أو خمسا أو سبعا فعصرتُهنّ، فجعلت ماءهن في قارورة، فكحلتُ به جاريةً لي، فبرِئتْ".

ويستخدم الكمأ أيضا لعلاج هشاشة العظام والأظافر وسرعة تكسرها، حيث يحتوي على كمية كبيرة من البروتين والمعادن اللازمة للصحة والنشاط والنمو، منها البوتاسيوم والكالسيوم والفوسفور والحديد والزنك والنحاس.

المصدر : الجزيرة