الباحثة التونسية الضوافلي تنقل الحناء القابسية إلى مخابر الأبحاث

Said سعيد - 1زهرة الضوافلي تتوج في الرباط بجائزة لوريال يونسكو المغاربية جانفي 2019 - "زهرة الضوافلي" تنقل الحناء القابسية من مواكب الأفراح إلى مخابر الأبحاث
زهرة تأمل أن تطور بحثها نحو إيجاد دواء كفيل بعلاج ألزهايمر (الجزيرة)

خديجة بن الحاج حميدة-تونس

تشتهر مدينة قابس الواقعة بالجنوب الشرقي التونسي بمزارع الحناء التي تنتشر في مساحات شاسعة وتنتج أجود أنواع الحناء التي تعرف بـ "الحنّة القابسية"، وهي حناء ما زالت إلى اليوم حاضرة خصوصا في العرس التقليدي التونسي فتخضب بها الأيادي والأقدام والشعر.

غير أن الباحثة التونسية الشابة زهرة الضوافلي اكتشفت أن لهذه المادة الطبيعية استعمالا قد يفتح المجال واسعا نحو إيجاد دواء لمرض "ألزهايمر".

المسألة قد تدعو إلى التعجب، ولكنها حقيقة أثبتتها زهرة بفضل أبحاثها التي مكّنتها من الحصول على عديد التكريمات، كان آخرها تتويجها بمنحة لوريال-يونسكو العالمية للنساء والعلوم.

زهرة التي لم تتجاوز بعد عتبة الـ31 عاما تتابع بحوثها في مجال العلوم العصبية بمركز البيوتكنولوجيا ببرج السدرية بالضاحية الجنوبية للعاصمة، ومن المنتظر تكريمها يوم 14 مارس/آذار المقبل، في إطار الدورة الـ21 لجائزة "لوريال-يونسكو العالمية"، عن أبحاثها المتعلقة بمرض "ألزهايمر"، الذي يعتبر من أكثر أشكال الخرف شيوعا في العالم.

زهرة، وبعد تجارب مخبرية تواصلت سنوات، خلصت إلى أن للحناء استعمالات علاجية كبرى قادرة على وقف المرض وأن تضمن لكبار السن شيخوخة سعيدة.

‪الحناء القابسية ما زالت إلى اليوم حاضرة‬  (الجزيرة)
‪الحناء القابسية ما زالت إلى اليوم حاضرة‬  (الجزيرة)

رب ضارة نافعة
بعد حصولها على بكالوريا (الشهادة الثانوية) شعبة علوم تجريبية، التحقت زهرة الضوافلي بكلية العلوم بتونس حيث تحصلت بعد أربع سنوات على الأستاذية في التكنولوجيا الحيوية، ومنها قرّرت خوض تجربة البحث في مجال الأمراض العصبية الجينية بكندا، وسنحت لها الفرصة هناك للعمل في أهم المخابر البحثية في مجال الأمراض العصبية من ذلك أمراض "ألزهايمر" و"باركنسون"، غير أنها اضطرت للعودة إلى تونس لأسباب خاصة قبل مناقشة بحثها.

وعند عودتها من كندا، وجدت زهرة في تونس عديد الصعوبات أمامها في ظل نقص التجهيزات لإجراء التجارب وقلة الإمكانات المتاحة، لكن هذه المرة كان إصرارها أكبر مما جعلها تعول على ذاتها من خلال تفعيل علاقاتها ببعض الأطراف الخارجية من مخابر وجامعات، لا سيما في الولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا، مما يسّر مهمّتها.

زهرة والحناء
تقول زهرة في تصريحات للجزيرة نت إن مرض ألزهايمر يفتك بالملايين من البشر في العالم أما في تونس ووفق إحصاءات تعود إلى 2015 فقد تم تسجيل حوالي 57 ألف حالة معلنة.

وعادة ما يصيب ألزهايمر الأشخاص فوق عمر الستين عاما، ويبدأ في صورة أعراض خفيفة مثل النسيان ومشاكل في استعمال اللغة، ولكن مع تطوره فإن الأعراض تتفاقم، إذ قد لا يعود المريض قادرا على التعرف على أفراد أسرته، أو قد يواجه صعوبات في التحدث والقراءة والكتابة، كما قد ينسى كيفية القيام بالمهام البسيطة الروتينية مثل تنظيف الأسنان بالفرشاة وكيف يمشط شعره.

 آلية ألزهايمر:

  • التغيرات في الدماغ تبدأ قبل عقد أو أكثر من بدء ظهور الأعراض على المصاب.
  • يبدأ تجمع تكتلات غير طبيعية من بروتين يسمى "بيتا أميلويد"، وألياف مكونة من "بروتين تاو" في الدماغ.
  • مع هذه التجمعات والتراكمات غير الطبيعية تتراجع وظائف الخلايا العصبية في الدماغ.
  • مع الوقت تفقد الخلايا قدرتها على الاتصال والعمل.
  • في النهاية تموت الخلايا.
  • مع ازدياد الخلايا الميتة، ينكمش دماغ الشخص.
‪تكريم لزهرة الضوافلي في الرباط‬ (الجزيرة)
‪تكريم لزهرة الضوافلي في الرباط‬ (الجزيرة)

فرضية
ارتكز بحث الباحثة زهرة على فرضية تتمثل في أن "بداية تشكل هذه التراكمات هي بداية الإصابة الفعلية بهذا المرض، وتكون في حدود سن 30 أو 35 سنة، ولا تبدأ أعراضه في الظهور على المريض إلا بعد 20 أو 30 سنة من ذلك الوقت، وبناء على هذا فإن العلاج يكمن في مقاومة تراكم هذه البروتينات الشبيهة بالصفائح وترسبها عبر إيجاد جزيء مقاوم لها يكون منطلقا لإيجاد علاج فعال لمرض ألزهايمر".

ولاستخراج هذا الجزيء كانت لزهرة عودة إلى عالم النباتات حيث تقول إنها كرّست ما يقارب ثماني سنوات (من 2010 إلى 2018) للبحث عن مركبات أكثر فعالية للوقاية من مرض ألزهايمر ومعالجته، وقامت بدراسة بيولوجية لحوالي عشرين نبتة لتنتهي إلى أن أوراق الحناء تحتوي على مضادات طبيعية للأكسدة هي الأنسب في مقاومة ألزهايمر، ونجحت في استخراج الجزيء الفعال وتنقيته.

طموحات لا تنتهي
تأمل زهرة، كما صرحت للجزيرة نت، من خلال هذا الاكتشاف أن تطور بحثها نحو إيجاد دواء كفيل بعلاج ألزهايمر، وليس فقط بتثبيط أعراضه وتأخير ظهورها، مؤكدة أن "الحناء القابسية" بوسعها أن تداوي المرض لا أن تقي الإنسان منه فقط.

وتؤكد زهرة أنها مصرة على أن تواصل بقية المراحل البحثية إلى حين تصنيع الدواء مرورا بالتجارب المخبرية والسريرية على الأفراد، معتبرة أن حصولها على منحة لوريال-يونسكو العالمية ستساعدها كثيرا في تنفيذ مشروعها الذي سيتواصل في عديد المخابر خارج تونس.

أما عن عدد السنوات التي يقتضيها إنتاج هذا الدواء وتسويقه، فقد أوضحت زهرة أن المسألة بحاجة إلى مدة تتراوح بين 10 و15 سنة، وهي مدة لا تعدّ طويلة بالمقارنة بتاريخ المرض وخطورته.

وتنهي زهرة حديثها بأن طريقها في البحث كان محفوفا بالعراقيل والصعاب، ولكن هذا لم يزدها سوى إصرار على المواصلة من أجل تحقيق ما تصبو إليه.

المصدر : الجزيرة