مستذئب أنغارسك.. قصة السفاح الأكثر دموية بتاريخ روسيا

epa05727456 Former police officer Mikhail Popkov during a verdict announcement at the Irkutsk Regional Court in the city of Irkutsk in Eastern Siberia, Russia, 14 January 2015 (issued 18 January 2017). The rapist and serial killer Mikhail Popkov, who was sentenced to life for killing 22 women during a 6-year period from 1994 to 2000, has confessed to 59 more killings. EPA/DMITRY DMITRIYEV
بوكوف لم يندم على ما اقترفه من جرائم (الأوروبية-أرشيف)
في قرية نائية في سيبيريا تقضي سفيتلانا (38 عاما) أيامها بمرارة، فما عاشته قبل عشرين عاما دمّر حياتها، وجعلها مقعدة ودفعها لإدمان الكحول، والسبب لقائها بميخائيل بوبكوف أو ما يعرف بمستذئب أنغارسك، الشرطي السفاح الأكثر دموية في تاريخ روسيا، الذي قتل نحو ثمانين امرأة بدم بارد.

في ليلة الـ27 من يناير/كانون الأول عام 1999 كانت سفيتلانا ذات 18ربيعا مستمتعة بسهرة مع صديقتها، لكن لحظات سعادتها لم تدم طويلا بمجرد مغادرتها، فخطوط القطار أنهت آخر رحلاتها، ودرجات الحرارة كانت أكثر من عشرين درجة مئوية تحت الصفر، مما دفعها لقبول عرض بوبكوف بالصعود في سيارته لإيصالها نحو وجهتها.

لم تكن تعرف الشابة حينها أن قبول ذلك العرض سيقلب حياتها رأسا على عقب، وفي شهادتها بتحقيق تلفزي بثه برنامج "دو سات أ ويت" (من السابعة للثامنة)  في قناة "تي أف أن" الفرنسية مساء أمس الأحد، قالت "اصطحبني إلى الغابة وهناك بدأ بضرب رأسي على جذع شجرة بشكل عنيف ثم اقتلع شعري، كنت أشعر أني لن أبقى على قيد الحياة".

لم ينته الأمر عند هذا الحد بحسب ما ترويه سفيتلانا، فقد اغتصبها بوبكوف قبل أن يهرب، لتجد نفسها في المستشفى بجسد شبه مشلول، مصابة بمرض الزهري بسبب عدوى الجاني.

ظلت سفيتلانا حبيسة آلامها منذ تلك الليلة المشؤومة، لم تعرف شيئا عن معنّفها لمدة 14 سنة، لكنها كانت الأكثر حظا من أخريات فقدن حياتهن بسبب الشخص ذاته.

سفيتلانا لا تزال تتجرع مرارة ما سببه لها بوبكوف (الصحافة الفرنسية)
سفيتلانا لا تزال تتجرع مرارة ما سببه لها بوبكوف (الصحافة الفرنسية)

بيانات وجرائم
لسنوات طويلة لم تكن البيانات الشخصية لميخائيل بوبكوف (54 عاما) توحي بأنه وراء كل جرائم القتل التي تستهدف النساء في مدينة أنغارسك بقلب سيبيريا (230 ألف ساكن).

ولنحو عشرين عاما وتحديدا من 1992 وحتى 2010 قتل بوبكوف نحو ثمانين امرأة تتراوح أعمارهن بين 15 و45 سنة، وكلّهن فقدن في ظروف غامضة، وهو ما كشفه تحقيق البرنامج الفرنسي تحت عنوان مستذئب أنغارسك.

تدور أطوار الجرائم بالطريقة ذاتها تقريبا، في الليل وعقب إنهاء سهراتهن تخرج الضحايا بحثا عن سائق خاص يقلهن لوجهتهن، لعدم وجود سيارات أجرة خاصة في تلك السنوات، ولسوء الحظ كان بوبكوف بالمرصاد.

تقول آنا وهي شقيقة أوكسانا إحدى الضحايا، إن أختها التي فقدت حياتها صيف 1998 في سنّ الـ24 تاركة فتاة صغيرة، لم تكن تعلم أن سهرتها مع صديقتها ستنتهي بمقتلهما معا.

وبمزيج من الحزن والحسرة تروي آنا تفاصيل الجريمة وتقول إن بوبكوف الذي أقلهما بسيارته، اغتصبهما وقتلهما واحدة تلو الأخرى بوحشية بضربات من فأسه، إلا أنه رغم بشاعة الجريمة، اعتبرت الشرطة حينها أن الأمر حادث معزول ولا يتعلق بعملية قتل متسلسلة.

‪آنا فقدت أختها بسبب بوبكوف الذي قتلها في عام 1998 (الصحافة الفرنسية)‬ آنا فقدت أختها بسبب بوبكوف الذي قتلها في عام 1998 (الصحافة الفرنسية)
‪آنا فقدت أختها بسبب بوبكوف الذي قتلها في عام 1998 (الصحافة الفرنسية)‬ آنا فقدت أختها بسبب بوبكوف الذي قتلها في عام 1998 (الصحافة الفرنسية)

استنتاج وإفلات
استنتاج الشرطة، كان في تلك الفترة ناجما عما تعيشه دول الاتحاد السوفياتي السابق عقب سنوات من تفككه من انتشار للجريمة والعصابات والمافيا وتصفية الحسابات، مما تسبب في مقتل المئات.

كل هذا أبعد الشكوك عن وجود عملية قتل منظمة ومتسلسلة، والأكثر من ذلك هو أن يقف وراءها شرطي.

بحسب شهادة مفتش الشرطة ديمتري المسؤول عن بوبكوف، فإن الأخير كان رجل شرطة عاديا ولم يكن لديه أي شيء لافت سوى ذكائه. حتى أنه كان يحظى بثقته، وفي مارس 1998 أرسله لتفقد مسرح جريمة كان هو مرتكبها.

ودون متابعة أو ضد مجهول، استفاد بوبكوف من عدم حصول الشرطة على أدلة كافية، وظل يقوم بجرائمه بشكل متواتر بلغ حد عمليتي قتل كل شهر، إلى أن أخطأ مرة بنسيان زر من أزرار زي بدلته العسكرية خلال قتله إحدى النساء. وبعد شهور قليلة أخبر شاهد أجهزة الأمن بأن إحدى الضحايا استقلت سيارة للشرطة قبل أن تلقى حتفها.

مؤشرات وتحقيق
دفعت هذه المؤشرات الأولية والجرائم المتواصلة التي بلغ صداها في كل أرجاء روسيا، السلطات للتحرك وفكّ لغز المجرم المُفلت من العقاب. وعبر نخبة من المحققين بدأ البحث عن القاتل.

وفي سنة 2004، بدأ المتخصصون تحليلات الحمض النووي "دي أن أي DNA"، من خلال فحص جثث ثلاث ضحايا وأخذ عينات من منيّ الجاني، وقد تطابقت النتائج. وخلال خمس سنوات استقبل المحققون 576 رجل أمن من المشتبه بهم ومن بينهم بوبكوف.

خلال احتجازه اعترف الجاني بارتكابه 81 جريمة قتل، وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2017 قام بتجسيد جريمة ارتكبها قبل 23 عاما في حق سيدتين لا يعرفهما، مبينا كيف قتلهما بضربات من فأسه على رأسيهما. كما كشف مستذئب أنغارسك كيف تخلص من جثث أخريات، عانت عائلاتهن اختفاءهن دون معرفة الحقيقة.

طرحت هذه الجرائم المتشابهة أسئلة حول الدافع وراءها، وقد كشف التحقيق أن بوبكوف الذي كان يعيش حياة عادية مع عائلته الصغيرة، انقلبت حياته حين اكتشف خيانة زوجته مما دفعه للانتقام من كل النساء وهو أمر لا يندم عليه بحسب تصريحاته لصحفيين روس.

وفي ديسمبر/كانون الثاني الماضي قضت محكمة روسية بالسجن مدى الحياة على ميخائيل بوبكوف السفاح الأكثر دموية بتاريخ روسيا.

المصدر : الجزيرة + الصحافة الفرنسية