بفضل مبادرة شبابية.. القيروان تتجمل بحلة رومانسية مليئة بالحياة

زخارف فنية ونباتات زينة تجمل ازقة المدينة (الجزيرة)
زخارف فنية ونباتات زينة تجمل أزقة مدينة القيروان (الجزيرة)

ناجح الزغدودي-تونس

على طول الزقاق العتيق بالمدينة القيروان وسط تونس، لبست الجدران المرصعة بأقدم الحجارة والزخرفة العربية وشاحا مزركشا بألوان النباتات الخضراء والزهور حتى كادت الجدران تنبض بالحياة مثل بستان.

هذه الحلّة العصرية المبهجة حاكتها أنامل ثلة من الشبّان ينشطون ضمن جمعية "نحن نحب القيروان" بمشاركة نشطاء ومواطنين بقصد تنشيط المسلك السياحي بالمدينة العتيقة لنفض الكساد وإعادة البريق المخطوف.

وقد جمّلت الحي بلمسات رومانسية ممزوجة بعبق التاريخ، فأضحت أشبه بمدينة سانتوريني اليونانية الشهيرة.

سبقت الجمعية حوارات واستبيانات لسكان المدينة العتيقة بطريقة "باب-باب" لمشاركتهم في حلول المشاكل التي تواجهها القيروان فكانوا مساهمين في الفكرة ومنفذين.

تستعيد رومانسيتها
يتحدث رئيس جمعية "نحن نحب القيروان" الشاب أحمد النقازي مشيرا لعنوان التظاهرة "مدينة صاعدة" قائلا إن جمالية أحياء المدينة العتيقة وتوفير الأمن كانت أبرز أولويات مقترحات السّكان "لتستعيد ألقها وقيمتها كمعلم عتيق جاذب للسياح".

أهمية المشروع من الناحية السياحية وتقديم أمثلة لمدن نجحت في جذب السياح -مثل سانتوريني اليونانية- اقنع الجهات المانحة على تمويل الفكرة الشبابية.

وتصنف منظمة اليونسكو القيروان ضمن التراث العالمي منذ عام 1988، وتتميز بمعالمها التاريخية التي تسطر أمجاد الحضارة العربية الإسلامية وفي مقدمتها "جامع عقبة بن نافع" (أحد أقدم المساجد شمالي أفريقيا).

تستقبل المدينة العتيقة سنويا أكثر من مليون زائر وسائح خصوصا شهر رمضان والمولد النبوي الشريف. وتعتبر ملهمة روحية للرسامين منهم الألماني "بولكيلي" خلال زيارته لها سنة 1914 ويقام له بها مهرجان ثقافي.

ونتيجة التحولات الاقتصادية والاجتماعية في تونس بعد الثورة، فقدت المدينة العتيقة بعض جاذبيتها وتلاشى بريقها مع مرور الزمن وتراجعت السياحة.

حدائق معلقة على جدران المدينة العتيقة
حدائق معلقة على جدران المدينة العتيقة

الأمل والفرح
 يوضح النقازي بكثير من الثقة في نجاح التجربة التي استمدها من انخراط سكان الحي ومؤسسات الدولة بالمشروع فـ "قررنا البدء بوضع لمسات جمالية لتغيير واجهة الجدران والأبواب والأزقة وتطوير منظومة تأمين الاحياء بوضع كاميرات مراقبة".

ولم تكن التغييرات الصغيرة التي قام بها الشبان هي الغاية الاساسية من المشروع البيئي، بقدر تحفيز الحرفيين وأصحاب المحلات التجارية على الاستثمار في تحسين الواجهات وجعلها أكثر جاذبية للسياح.

وكانت أولى ثمار هذه المبادرة اختيار حي سيدي عبيد الغرياني -صاحب مدرسة فقهية توفي ودفن بها سنة 805 هـ/1402م- لتصوير فيديو كليب لأحد الفنانين بالحي.

الفكرة تأتي ضمن مشروع كبير لتهيئة المدينة العتيقة ورد الاعتبار لقيمتها الحضارية والتراثية من أجل استعادة نشاطها الحرفي التقليدي والسياحي، ونشر معالم النجاح والفرح بها وإقناع السائح بالعودة.

ويسعى "أحباء القيروان" إلى دفع المؤسسات الحكومية والبلدية إلى الاستثمار بالمدينة العتيقة عبر صيانتها، مع توفير عناصر النظافة والأمن لإحياء نشاطها الاقتصادي الذي اشتهرت به.

ولم تغب أنظار أعضاء الجمعية عن مراقبة مدى نجاح المشروع، وتعهد النباتات بالسقي والمراقبة، كما جعلوا مقر جمعيتهم وسط الحي ليكونوا على قرب من أعمال الحراسة والتعهد وللتواصل مع المواطنين والمؤسسات الحكومية، كما يقول رئيس الجمعية.

تراث مهدد
تأتي المبادرة الشبابية تفاعلا مع حملة قادها نشطاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي منذ أشهر للتنبيه لخطورة ما تتعرض له المدينة العتيقة كتراث عالمي لخطر الاندثار وفقدان التصنيف.

إذ تعاني المدينة العتيقة من خطر إهمال المساكن وهجرها من قبل أصحابها، وتغيير البعض الآخر لشكلها وهندستها المعماريّة من الداخل والخارج حتى أصبحت بعض الأحياء تبدو كمدينة الأشباح بسبب خلوها من السكان وتراجع الحركة فيها.

وأضحت مشاهد المنازل المهجورة والمباني الآيلة للسقوط تمثل وجه القيروان. فهناك منازل ابتلعتها الأرض الرخوة، وغيرها أُغلقت أبوابها وكتب على واجهتها التي كستها الرطوبة عبارة "للبيع".

وتسبب تسرب مياه الصرف الصحي وشبكة ماء الشرب أسفل المباني في تصدع عديد المباني وانهيارها بحسب تقارير جمعيات مختصة في التراث، وأضحت تمثل خطرا على ساكنيها.   

وبعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 استفادت المدينة العتيقة بمشاريع تطوير بقيمة حوالي مليوني دولار لتجديد البلاط وتزيين الواجهات وحماية جامع عقبة بن نافع من الفيضانات وتسرب المياه لبيت الصلاة.

فرادة المعمار بروح العصر 
فرادة المعمار بروح العصر 

المدينة المتحف
واصل المعهد الوطني للتراث (حكومي) دوره المعتاد في تنفيذ أشغال جزئيّة في أكثر من نقطة خاصة سور المدينة، وسط تتالي انهيارات أجزاء من السور الذي يعود للقرن الخامس هجري/الـ 11 للميلاد.

وهناك جهود لكي لا تخسر مدينة القيروان موقعها العالمي، يصرح المتفقد الجهوي للتراث بالقيروان جهاد صويد ميرا لتعهد معهد التراث بصيانة المعالم الأثرية العامة مثل الأضرحة والمساجد والقباب، باستثناء المساكن الخاصة.

بالمدينة العتيقة أكثر من 86 مسجداً عتيقا و84 ضريحاً و62 قوساً وحوالي مئة قبة عتيقة، تمثل رصيدا معماريّا متميّزا ناهيك عن منازل عتيقة تحوّلت لمعارض للحرف التقليدية وفضاءات سياحية بعد ترميمها. 

المصدر : مواقع إلكترونية