البلطي الجسور.. سمك النيل المفضل لهواة الصيد في السودان‎

أحمد فضل-الخرطوم

 
ينزل المئات من صيادي الأسماك إلى النيل الأبيض كل صباح عند خزان جبل "الأولياء" على بعد 44 كلم جنوبي الخرطوم، لكن من بين هؤلاء الصيادين هواة يتبارون فقط في صيد سمك البلطي بالصنارة، نظرا لكون هذا السمك -كما يقول أصحاب الشغف بصيده- ذكيا وجسورا وصعب المراس.

وكما تورث المهن أحيانا، ورث بعض الهواة هواية صيد البلطي من آبائهم، ويعملون أيضا على توريثها لأبنائهم الصغار.

سمير مصطفى (54 عاما) ورث هواية صيد الأسماك من أبيه، وما إن يحل فصل الشتاء ويعود النيل إلى مجراه الرئيسي بعد موسم الفيضان، حتى يرافقه ابنه "آمن" (12 عاما) كل جمعة إلى خزان جبل "الأولياء" لصيد البلطي.

ويضطر سمير وابنه لقطع أكثر من 50 كلم من مقر سكنه في حي المزاد شمالي الخرطوم بحري وحتى جبل "الأولياء" جنوبي العاصمة.

تجهيزات الرحلة
وتبدأ هذه الرحلة عند الساعات الأولى من الفجر بتجهيز معدات الصيد وبعض الفواكه والوجبات السريعة، ومن ثم قيادة السيارة نحو الخزان الذي شيده المصريون عام 1937.

وعند وصول سمير إلى الخزان، يتوجه أولا إلى أبو بكر الصديق -ولقبه أبو سمرة- صاحب مزرعة لديدان الأرض المعروفة محليا باسم "الصارقيل"، الطعم المفضل لأسماك البلطي.

يقول أبو سمرة للجزيرة نت إنه ظل يبيع "الصارقيل" لوالد سمير قبل وفاته، والآن يبيعه لسمير، ويأمل أن يمتد عمره ليبيع طعم البلطي للحفيد "آمن".

ويجهز أبو سمرة أرضه على شكل أحواض يخلط تربتها بروث الأغنام والأبقار ويرشها بالمياه لمدة 25 إلى 30 يوما، قبل أن يحصد زرعه من دودة الأرض ويبيعها لصائدي البلطي.

سمير (يمين) ورث هواية صيد سمك البلطي من أبيه (الجزيرة)
سمير (يمين) ورث هواية صيد سمك البلطي من أبيه (الجزيرة)

مراتع البلطي
بعد أن يأخذ الصيادون كفايتهم من "الصارقيل" يعبرون النهر من على جسم الخزان العتيق نحو الضفة الغربية، ومنها يتوجهون قليلا إلى الجنوب عند منطقة "السليمانية" حيث يعتبرون النهر هناك مرتعا لسمكهم المفضل.

وما إن وصل سمير وابنه برفقة صيادين آخرين هما مصطفى وقدورة، حتى دخلوا في تفاوض مع ملاك للقوارب انتهى بتأجير أحدها بـ500 جنيه (نحو 12 دولارا).

يقول سمير -الذي يعمل نجارا- إنه يوفر تكاليف كل رحلة من دخله البسيط بادخار نحو ألف جنيه لمصاريف الوقود وإيجار القارب وطعم "الصارقيل"، إلى جانب تجهيزات أخرى.

وعندما كان القارب يبحر إلى منتصف النيل الأبيض الذي يتميز باتساع مجراه وضحالته مقارنة بالنيل الأزرق، كان سمير مشغولا بمراقبة علو الأمواج وتيار الهواء حتى يتمكن من تحديد المكان المناسب، ومن ثم وضع المرساة وبدء الصيد.

سمير وابنه وأخواه أثناء رحلة صيد البلطي في النيل الأبيض قرب جبل الأولياء جنوبي الخرطوم (الجزيرة)
سمير وابنه وأخواه أثناء رحلة صيد البلطي في النيل الأبيض قرب جبل الأولياء جنوبي الخرطوم (الجزيرة)

تحدي الهواة
وبحسب سمير، فإن التحدي أمام هاوي صيد البلطي هو معرفة المكان الذي يمكن أن يكون مرتعا لأسماكه أو جذبها إلى المنطقة التي اختارها للصيد إذا ما كانت قريبة.

ويشير إلى أن البلطي هو النوع الوحيد من الأسماك النيلية الذي يعيش في أسراب ويتغذى من الطحالب والفطريات التي تنمو على الأحجار والأصداف، مما يتطلب البحث عن منطقة حجرية وغنية بالصدف في مجرى النهر.

ويوضح قدورة أن الأسراب غالبا ما تكون متجانسة من ناحية عمر سمك البلطي وحجمه.

ويحفظ هواة صيد البلطي بالصنارة عن ظهر قلب المناطق التي يفضل البلطي العيش فيها في مجرى النيل الأبيض، ويسمي قدورة مناطق الشوال والقطينة وود بلال والخليوات خلف الخزان، ومناطق السليمانية أمامه.

البلطي هو النوع الوحيد من الأسماك النيلية الذي يعيش في أسراب ويتغذى من الطحالب والفطريات (الجزيرة)
البلطي هو النوع الوحيد من الأسماك النيلية الذي يعيش في أسراب ويتغذى من الطحالب والفطريات (الجزيرة)

أنواع البلطي
ولهواة صيد البلطي مسميات لهذا السمك تبعا لحجمه، ويقول مصطفى إن الحجم الصغير منه يزن ربع كيلوغرام ويعرف باسم "كفة"، وهو اسم مستمد من تشبيه السمكة بكفة اليد.

ويعد البلطي "التلتاوي" المفضل لطعمه المميز بعد الطهي، وهو بحسب مصطفى يزن قرابة الكيلوغرام الواحد.

ويسمى النوع الأخير "الديك"، وهو الحجم الكبير من البلطي ويزن 3 ـ 4 كلغ، ويحتاج صيده إلى مهارة فائقة لأن البلطي بهذا الحجم دائما ما يتلف الصنارة أو يقطع خيطها.

ويقول مصطفى إن المهارة في صيد "الديك" تتجلى عندما تتمكن من انتشاله بدون تمزيق خياشيمه نسبة للعنفوان الذي يميّز البلطي في هذا العمر.

ويحتل البلطي المرتبة الثالثة بين أنواع السمك الأكثر استهلاكا في العالم، ويأتي مباشرة بعد الشبوط والسلمون.

هواة صيد البلطي بالصنارة يحفظون عن ظهر قلب المناطق التي يفضل هذا السمك العيش فيها (الجزيرة)
هواة صيد البلطي بالصنارة يحفظون عن ظهر قلب المناطق التي يفضل هذا السمك العيش فيها (الجزيرة)

حيل الصيد
دائما ما يتحدث سمير بإعجاب عن سمك البلطي إذ يعتبره سمكا مخادعا ويحتاج إلى التحايل حتى يتمكن الصياد من اصطيادها دون أن يلحق الأذى بها أو بصنارته المفضلة.

ويقول إن تحدي صيد أسماك البلطي يتمثل في المقاومة التي يبديها، وقبل ذلك في كيفية جذب أسرابه وإجباره على البقاء في المكان الذي اختاره الصياد.

ويبين سمير أنهم يجذبون أسراب البلطي بـ"العلفة"، وهي كرات صغيرة من الطين مخلوطة بـ"ردة" القمح (القشر) أو مخلفات الخمور المصنوعة من البلح أو الذرة، يتم قذفها في المنطقة المختارة للصيد.

ومن بين حيل الهواة أيضا، استخدام غمّازة تصدر صوتا أقرب إلى جرس خافت، يقول سمير إنها تلفت انتباه أسماك البلطي وتجذبها، وعندما تمسك صنارته بإحداها فإنه قادر على تحديد حجم الصيدة من غمزة الصنارة.

ويستخدم هواة صيد البلطي غمازات ذات لون وردي بالنهار، لكن عندما يحل المساء فإنهم يفضلون غمازات فسفورية لأن طلعاتهم دائما ما تستمر حتى الليل.

المصدر : الجزيرة