أطباء مغاربة يؤدون مسرحية لدعم مرضى القلب

سناء القويطي-الرباط

وضع الطبيب المختص في أمراض القلب والشرايين الدكتور جمال أكومي رداءه الأبيض جانبا ليعتلي خشبة مسرح قاعة "باحنيني" بالرباط لأداء دور في مسرحية عنوانها "طبيب في المدينة"، وبدا وزملاءه متحمسين للقاء الجمهور لحظات قبل رفع الستارة، وحاولوا قدر جهودهم إخفاء التوتر ومقاومة الرهبة التي تعتريهم قبيل كل عرض.
 
ولم يخض جمال أكومي وعدد من زملائه غمار التمثيل بالمسرحية من أجل اكتشاف مواهبهم واختبار قدراتهم الفنية، وإنما من أجل إنقاذ قلوب الأطفال المتعبة والمنهكة بالمرض، والتبرع بمداخيل العروض الفنية لإجراء عمليات جراحية لهؤلاء الأطفال بتنسيق مع جمعية خيرية ناشطة في المجال.

ويقول أكومي للجزيرة نت إنه لم يتخيل نفسه ممثلا ولم يفكر يوما في اقتحام هذا المجال، بل كان منغمسا في مهنته إلى أن اقترح عليه أصدقاؤه المشاركة في هذه المغامرة، ويضيف والابتسامة تغالبه "حصدنا شهرة كممثلين أكثر من كوننا أطباء".

  الأطباء تقمصوا شخصيات في المسرحية رغم أنهم ليسوا ممثلين (الجزيرة)
  الأطباء تقمصوا شخصيات في المسرحية رغم أنهم ليسوا ممثلين (الجزيرة)

من رواية إلى مسرحية
يؤدي أكومي دور مريض غريب الطباع، يقصد طبيبا فتح عيادته حديثا، ونجح في انتزاع ضحكات وتصفيقات الجمهور مما زاده ثقة في ما يقدمه، بينما لاقت المسرحية خلال تقديمها بالرباط والدار البيضاء تفاعلا وإقبالا من عشاق فن الخشبة، الذين دفعهم الفضول للحضور بكثافة لمشاهدة هذه التجربة الفنية المثيرة التي أخرجت أطباء من عياداتهم ومؤتمراتهم العلمية وغرف العمليات، وحوّلتهم إلى ممثلين في مسرحية هزلية.

وبدأت المبادرة منذ عامين عندما قررت طبيبة القلب والشرايين الدكتورة سعاد الجامعي تحويل روايتها التي تحمل عنوان "طبيب في المدينة" إلى عمل مسرحي، وتقول عن تلك الفترة بكثير من الحنين إن سبعة من زملائها الأطباء -وهم جميعهم أعضاء في جمعية طبية علمية متخصصة في أمراض القلب- سجلوا مقطع فيديو من 45 ثانية يجسدون فيه شخصيات من الرواية بهدف الترويج لها.

وأثار هذا المقطع القصير إعجاب الكثيرين من أصدقائها، فألحوا عليها لتحويلها إلى مسرحية، في حين أبدى أطباء آخرون من تخصصات مختلفة رغباتهم في تجسيد أدوار فيها.

ويشارك في هذا العمل الفني حوالي عشرين طبيبا، وتقول الجامعي إنهم "جميعهم معروفون في تخصصاتهم الطبية وسمعتهم طيبة، لكنهم قرروا من خلال هذه التجربة ارتداء لباس آخر وإضحاك الناس"، وأضافت أن الممثلين أظهروا منذ أول صعود لهم على الخشبة مواهب وقدرات فنية عالية رغم أنهم لم يسبق لهم دراسة التمثيل أو تجربته.

نجاح جماهيري
غصّ مسرح قاعة باحنيني بالرباط بجمهور من الوسط الطبي ومن العائلات والأصدقاء والمرضى، ونجحت المسرحية في اقتناص ضحكاتهم وإعجابهم طيلة لحظات العرض الذي امتد حوالي ساعتين.

نحو 20 طبيبا شاركوا في المسرحية (الجزيرة)
نحو 20 طبيبا شاركوا في المسرحية (الجزيرة)

وتوضح الجامعي أن مداخيل العرضين السابقين مكنت من إجراء عمليات جراحية لثمانية أطفال، وتقول "نحن أطباء متخصصون في أمراض القلب وندرك معاناة هؤلاء المرضى وعائلاتهم خاصة أصحاب الدخل المحدود منهم.. كنا نعتزم تقديم عرض مسرحي واحد، لكن تفاعل الجمهور وإلحاحهم على تكرار التجربة جعلنا نستمر من أجلهم ومن أجل إنقاذ حياة مزيد من الأطفال".

وتعد أمراض القلب والشرايين السبب الرئيسي للوفاة بالمغرب، وحسب بيانات جمعيات مدنية فإن حوالي 10 آلاف حالة من المصابين بأمراض القلب من بينهم 2500 طفل يجري إحصاؤها بالمغرب كل سنة.

وتقمص الأطباء في هذه المسرحية أدوارا لنماذج طريفة لرواد عيادة طبية من مثل مريضة قروية ترتدي ملابس كثيرة خوفا من المرض، وأخرى مهووسة بالمتابعة الطبية من أجل إنقاص الوزن دون أن تلتزم بالريجيم، ومريض ثالث يستعجل لقاء الطبيب فقط لملء شهادة طبية، ورابع يعمل مأمور ضرائب يزور عيادة الطبيب في يوم عمله الأول، وغيرها من الشخصيات الطريفة.

ويكتشف الجمهور في قاعة الانتظار تلك مختلف هذه الشخصيات التي ترسم صورة مصغرة عن المجتمع المغربي بكل تنوعه في قالب فني هزلي يهدف إلى تعرية عيوب المجتمع والكشف عن نقائصه وتناقضاته.

حضور جماهيري لافت للمسرحية وإعجاب كبير بها (الجزيرة)
حضور جماهيري لافت للمسرحية وإعجاب كبير بها (الجزيرة)

طرائف
عاش أعضاء الفرقة طرائف كثيرة خلال التدريبات والعروض خلقت بينهم انسجاما بدا ظاهرا على خشبة المسرح، وتتذكر الدكتورة سعاد الجامعي بابتسامة عريضة كيف كانت تجد صعوبة في ضبط أعضاء الفرقة خلال التدريبات على المسرحية بسبب حماسهم وسعادتهم بهذه المغامرة المختلفة.

وبذل الأطباء -جميعهم يعمل في القطاع الخاص- جهودهم لإنجاح هذا العمل الفني وكسب إعجاب الجمهور في كل العروض التي قدموها، ويحذوهم أمل في إعادة النبض لقلوب الأطفال وزرع البسمة في وجوه عائلاتهم وتغيير صورة نمطية سائدة في المجتمع المغربي عن العاملين في القطاع الصحي.

المصدر : الجزيرة