الأسطول الأصفر.. قافلة سفن حوصرت 8 سنوات في قناة السويس

SUEZ, EGYPT - AUGUST 06: An Evergreen boat flagged in Singapore passes through during the opening ceremony of the new Suez Canal expansion including a new 35km (22 mile) channel on August 6, 2015 in Suez, Egypt. The new channel of the Suez Canal was finished in a year at a cost of 8 billion USD and is designed to increase the speed and capacity of ships. The new branch is being celebrated as a major nationalist project. (Photo by David Degner/Getty Images).
قناة السويس أحد أهم الممرات المائية في العالم (غيتي)

بعد مرور 150 عاما على افتتاح قناة السويس المصرية، لا يزال تاريخ السفن 14 التي تقطعت بها السبل بعد حرب 1967 من أكثر الأحداث غرابة.

ففي صباح الخامس من يونيو/حزيران 1967 كان ينبغي أن تمر سفينة "فيل ساول" التجارية عبر قناة السويس، لكن قبل ساعات قليلة من العبور، فكر قادة السفن في التراجع لأن التوتر بين إسرائيل ومصر كان يلوح في الأفق، مع ذلك اختارت المجموعة أخيرا أن تتحرك نحو القناة واثقة من أن الحرب لن تندلع بعد.

وفي تقرير نشرته صحيفة "بوبليكو" الإسبانية، قال الكاتب مارك إسبانيول -الذي كان آنذاك على وشك بلوغ 19- "لقد كانت رحلة عادية وكنا سنعود إلى منازلنا بعد أسبوع".

حين دخلت قافلة السفن إلى القناة بالفعل بدأ الوضع يتغيّر، حيث سمع ساول عبر الإذاعة أن الحرب بدأت للتو، وكان تصاعد أعمدة الدخان أمام أعينهم خير دليل على اندلاع الحرب.

بعد مرور فترة وجيزة، دخلت سفينة ساول إلى منطقة البحيرات المرة، وشاهد طاقم السفينة الإسرائيليين يعبرون القناة. وقال ساول "في البداية تصرفنا مثل مشجعي كرة القدم حيث كنا أغبياء للغاية، ولم نكن ندرك مدى جديّة المسألة، لم أكن أعي قوة وخطورة الأحداث حتى رأيت عاملا في القناة تملأ الدموع وجهه، ثم شاهدنا أناسا يموتون أمام أعيننا".

وعندما أمر النظام المصري بقيادة جمال عبد الناصر بإغلاق القناة لأجل غير مسمى، كانت قافلة السفن بأكملها لا تزال في البحيرات المرة في منطقة لا تنتمي لأي طرف، يقول ساول "حتى ذلك الحين، لم يكن أحد من بيننا يتخيّل حتى في أحلامه الأكثر جنونا أن السفن ستبقى في قناة السويس لمدة ثماني سنوات".

ملل في قلب المعركة
في وصفه للحظات الأولى للحصار، أشار ساول إلى أنهم شعروا بالملل "في البداية كان الأمر مثيرا بسبب التفجيرات والاشتباكات، ولكن بعد وقف إطلاق النار، توقفت حوادث التصادم، واستقر كل شيء في روتين ممل، حيث كانت السفن مجهزة جيدا لتشق طريقها عبر القناة، ولكن ليس إلى أجل غير مسمى، لذلك بقيت بعض السفن دون ماء صالح للشرب، واتصلت بالآخرين للتنسيق معهم في ما يتعلق بالإمدادات التي يحتاجونها".

وذكر الكاتب أن جميع الأمور بدأت تتغيّر بعد مرور ثلاثة أشهر، ففي نهاية أغسطس/آب، تم الاتفاق على أن طواقم السفن يمكن أن يغادروا رغم بقاء القناة مغلقة، في المقابل لم ترغب الشركات في إتلاف السفن العالقة، لذلك استمروا في إرسال العمال للحفاظ على قافلة السفن التي لُقّبت باسم "الأسطول الأصفر" نظرا لأنها كانت مكسوّة بطبقة من رمال الصحراء صفراء اللون.

وأشار الكاتب إلى أن جورج وارتن، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 24 سنة، كان من بين الذين أمضوا ثلاثة أشهر في منطقة البحيرات المرة، ثم عاد إلى المملكة المتحدة لفترة قصيرة، وبعدها رجع إلى القناة من جديد.

وقال وارتن "في البداية أبقينا السفن في حالة ممتازة لأننا اعتقدنا جميعا أننا سنبحر في أي وقت، ولكن مع مرور الوقت علقنا في القناة، وأدركنا أننا لن نذهب إلى أي مكان". 

نشاط ترفيهي
في ظل تلك الظروف، أنشأ طواقم السفن العالقة جمعية البحيرات المرة من أجل تنظيم سوق غير رسمي، كما عملوا على تنظيم بعض الأنشطة.

كانت إحدى السفن مسؤولة عن تنظيم حدث ترفيهي في نهاية كل أسبوع، مثل مباريات كرة القدم أو سباقات القوارب أو مسابقات السباحة.

بمرور الوقت، أصبحت الجمعية أكثر تعقيدا، كما لو أنها أسست دولة وسط قناة السويس. علاوة على ذلك، قامت طواقم السفن بتصنيع درع للحماية وطوابع بريدية رسمها البحارة بأيديهم، حتى أن بعضها تسلل إلى النظام البريدي الرسمي، ويمكن الاطلاع عليه اليوم عبر الإنترنت. 

وأفاد الكاتب بأن الاحتفال بعيد الميلاد كان من أفضل ذكريات وارتن خلال تلك التجربة الغريبة من نوعها. وفي حديثه عن ذلك، قال وارتن "قد سمح لنا المصريون بتلقي هدايا من إنجلترا، وكانت مناسبة لطيفة للغاية، وأخرجت جميع السفن زوارقها وتجمعنا حول شجرة عيد الميلاد المثبتة في منتصف البحيرة ليلة 24 ديسمبر/كانون الأول حتى نغني أغاني عيد الميلاد".

المصدر : الجزيرة + الصحافة الإسبانية