التوأم خميس وعطا.. "تدوير الكرتون" لكسب الرزق

يواصل الشقيقان عملهما في فرز الكرتون وفصله عن النفايات الصلبة للاستفادة منه-
يواصل الشقيقان عملهما في فرز الكرتون وفصله عن النفايات الصلبة للاستفادة منه (الجزيرة نت)

عاطف دغلس-نابلس

عند السادسة من مساء كل يوم، ينطلق مشوار التوأم الفلسطيني خميس وعطا الصيرفي (58 عاما) في العمل، يستقل الرجلان مركبة كهربائية صغيرة تقطر عربة يعلوها قفص حديدي، حيث يُجمع بداخلها الكرتون ثم ينقل لآلات ضغط (مكابس) خاصة بالأخوين شرق مدينة نابلس بالضفة الغربية.

تنتج نابلس (كبرى مدن شمال الضفة وأنشطها اقتصاديا) كميات كبيرة من الكرتون تبلغ نحو 12 طنا يوميا، تجمع وبقية النفايات الصلبة لمكبات خارج المدينة استأجرتها البلدية من الشقيقين، ومن هناك تولدت فكرة فصل الكرتون وتدويره للاستفادة منه عند التوأم الصيرفي.

كانت البداية للاتجار بالكرتون المهمل عام 2005، واستمرا على ذلك الحال مواصلين الليل بالنهار في العمل إلى ما قبل عامين فقط، حينها تطورت الفكرة ووسع الشقيقان العمل وانتقلا لوسط المدينة حيث تكثر وتنشط المؤسسات التجارية.

في شارع سفيان وسط نابلس، يُلحظ فعلا ذاك الأثر لعمل الرجلين، فبواسطة عربة كهربائية صديقة للبيئة جاءا بفكرتها من الخارج، ينجزان مهمة عظيمة ويزيلان عبوات الكرتون من أمام المتاجر للتخفيف من عبء وجودها واختلاطها بالنفايات الأخرى، ثم يبدآن العمل بُعيد وقت العصر بقليل وينتهيان قبيل منتصف الليل.

يساعد الشقيقان بعضهما في قيادة المركبة وجمع النفايات، يعينهما عمال يعتلون مؤخرة العربة فيترجلون كل برهة ويلتقطون قطع الكرتون المترامية من هنا وهناك ليلقوا بها في العربة، حيث يتم جمعها بمكان قريب من وسط المدينة وآخر شرقها لضغطها وتكديسها فوق بعضها في أكياس مكعبة الشكل، ثم تنقل وتباع لمصانع داخل أراضي 48 لإعادة تدويرها وبيعها.

توضع الكراتين بعيدا عن النفايات الصلبة ثم تضغط بمكابس خاصة لإعادة تدويرها
توضع الكراتين بعيدا عن النفايات الصلبة ثم تضغط بمكابس خاصة لإعادة تدويرها

تطوير المشروع
يقول عطا -وهو يقسِّم بيديه الكرتون لقطع صغيرة يسهل تجميعها وضغطها- إن المشروع يُدر ربحا معقولا رغم تراجع أسعار الكرتون من مئة دولار للطن إلى نحو ستين دولارا، لكنه فرصة لعيش كريم في ظل تعثر مشاريع عديدة خططا لها ولم تستمر لأسباب خارجة عن إرادتهما بفعل الاحتلال وغيره.

ويقتصر العمل الآن على محيط دوار الشهداء وسط نابلس، وهما -وفق خميس- لا يقدران على جلب الكرتون من كل مناطق المدينة لحاجته لجهود كبيرة وتكاليف عالية ليست بمقدورهما، لكنهما طورا المشروع بوضع حاويات كبيرة ومكابس لجمع الكرتون قرب المحال التجارية الضخمة (المولات) والمنشآت الصناعية أيضا لتخفيف عبء الجمع، وتساعد في الوقت ذاته أصحاب المتاجر للتخلص وبطرق جيدة من نفاياتهم التي تكثر بالمناسبات وبمثل هذه الأوقات.

مثل هذه الطريقة (السلال وحاويات الكرتون) وضعتها البلدية للتجار، لكنها ما لبثت أن أزالتها بعد أن تحولت لمكبات للقمامة والنفايات الصلبة وليس للكرتون فقط مما جعل البلدية تزيلها لاحقا.

لكن ذلك لم يمنع الشقيقين من تطوير أفكارهما واكتساب كل جديد في تدوير الكرتون، هما يطمحان لامتلاك آلات ضخمة لذلك وقد أعدا دراسة جدوى مالية تصل لربع مليون يورو.

لكن الشاب طارق عبد الحميد -وهو يبيع ملابس الأطفال على بسطة خاصة به بشارع العدل وسط نابلس- كان محظوظا بقرب بسطته من محطة تجميع الكرتون، حيث يقوم بنقل الكراتين الفارغة لإتلافها سريعا.

التوأم الصيرفي يقومان بتجميع الكرتون تمهيدا لضغطه وتكديسه في أكياس ثم بيعه
التوأم الصيرفي يقومان بتجميع الكرتون تمهيدا لضغطه وتكديسه في أكياس ثم بيعه

النفايات الصلبة
يقول طارق إن التخلص من الكرتون بهذه الطريقة يقلل من كمياته المتراكمة هنا وهناك، وبالتالي تسهيل عملية الجمع وإعدادها للتدوير.

وتشير تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن الضفة تنتج نحو 15 ألف طن من النفايات الصلبة الناتجة عن المنشآت الاقتصادية شهريا، بينما تقدر بلدية نابلس نسبة النفايات العضوية بـ 53.3% و20% للورق والكرتون من أكثر من مئتي طن يوميا تخرجها المدينة.

ويقول مسؤول الصحة ببلدية نابلس نضال منصور إن مشروع الصيرفي خفف كثيرا من الأعباء عن كاهل البلدية بجمع الكرتون عبر الشاحنات الضاغطة ونقله لمحطة الجمع، كما يعد أكثر كلفة فيما لو قامت به البلدية لحاجته لآلات نقل وضغط وعمالة كثيرة "والأسوأ أن كمية النفايات ستتضاعف وستزيد تكاليف نقلها والتخلص منها ودفنها داخل مكبات النفايات (تصل تكلفة دفن الطن الواحد نحو عشرين دولارا أميركيا).

يدرك الشقيقان أن مهمتهما تحتاج لمؤسسة مكتملة وليس لأفراد كما هو حالهما، خاصة وأن البلديات في مدن عدة هي من تقوم بهذه المهام، لكنهما ورغم ذلك يقومان بواجبهما "وعلى البلدية أيضا القيام بواجبها بتوفير مزيد من العمالة في فرز الكرتون داخل محطة التجميع وسط نابلس" يقول الشقيقان.

وبعد انتهاء العمل ليلا يعود خميس وعطا أدراجهما للمنزل مشيا على الأقدام لمسافة تصل إلى 15 كيلومترا يوميا ولا يفترقان عن بعضهما إلا وقت النوم، حتى ملابسهما متشابهة تماما، وهما على هذا الحال منذ 57 عاما.

المصدر : الجزيرة