بيت جدي.. عبق التراث وسط ركام الحرب بسوريا

النحاسيات الشرقية من أكثر القطع التي يشتريها الزبائن
النحاسيات الشرقية من أكثر القطع التي يشتريها الزبائن (الجزيرة)

عمر يوسف-إدلب

لم تمنع الحرب السورية الرجل الأربعيني "أبو راشد" من أن يفتتح متجرا فريدا من نوعه لبيع التحف والنحاسيات القديمة وسط مدينة إدلب التي تعد من أهم معاقل المعارضة في الشمال السوري، لتتحول هذه الهواية التي ورثها عن أبيه إلى مهنة يحصل منها رزقه.

فبعد سيطرة المعارضة المسلحة على مدينة إدلب في عام 2015 افتتح أبو راشد محله بشكله الحالي الواسع بعد أن كان يخشى عرض مقتنياته للبيع أثناء سيطرة النظام السوري خشية المضايقات كما يقول.

عندما تدخل "بيت جدي" -وهو الاسم الذي اختاره أبو راشد لمتجره- في مدينة إدلب تأخذك التحف والمقتنيات القديمة من النحاسيات والسيوف وأجهزة الراديو العتيقة إلى عبق الماضي والتراث السوري القديم بعيدا عن ضجيج الصواريخ والمدافع، ويسرق رواد هذا المكان دقائق من المزاج العام المثقل بهموم النزوح وتأمين القوت اليومي.

قلة قليلة من السوريين في إدلب ممن يزور متجر "بيت جدي" للشراء، والأكثرية تأتي بدافع الفضول والشوق لرؤية السيوف والتحف القديمة والتقاط الصور التذكارية أمامها.

أبو راشد يسكنه هاجس الخوف مستقبل إدلب ويحذوه الأمل أيضا (الجزيرة)
أبو راشد يسكنه هاجس الخوف مستقبل إدلب ويحذوه الأمل أيضا (الجزيرة)

ونتيجة تقطع أوصال المحافظات السورية بسبب المعارك وتبادل السيطرة بين أطراف النزاع، توقف أبو راشد عن التجول في المحافظات السورية بحثا عن التحف المميزة، لذا يتحدث حاليا مع محبي وهواة المقتنيات التراثية عبر وسائل التواصل الاجتماعي بحثا عن قطع جديدة يضيفها إلى متجره.

ميراث الأجداد
يمتلك بائع التحف والأنتيكا الإدلبي في متجره قرابة 7000 قطعة مختلفة الأحجام جمعها على مدار السنوات السابقة، بينها ما يعدها تحفا نادرة ذات قيمة تاريخية، من أبرزها مدفع الهاون العثماني النحاسي الذي يعود تاريخ صنعه إلى ما قبل 250 سنة، والرحى الحجرية المصنوعة من البازلت التي كانت تستخدم في طحن الحبوب، والمهباج (المهراس) الخشبي المستخدم قديما في طحن البن.

البيانو الأوكراني الصنع من التحف المميزة لكنه لا يستهوي الزوار (الجزيرة)
البيانو الأوكراني الصنع من التحف المميزة لكنه لا يستهوي الزوار (الجزيرة)

في زوايا المتجر تبدو دلات القهوة العربية والصواني والفناجين النحاسية مصطفة على الرفوف الخشبية منمقة مرتبة تنتظر زبائنها، بينما تستقطب الخناجر والسيوف الدمشقية والبنادق اليدوية أكثر الزوار، من وحي الحرب في سوريا.

ويحتوي المتجر أيضاً على آلات موسيقية قديمة كالبيانو الأوكراني الصنع والعود والغيتار، كما تظهر أجهزة الراديو القديمة التي شاهدها الجيل الشاب في مسلسلات التاريخ المعاصر.

يقول أبو راشد إن هدفه ليس الربح المادي فحسب، بل المحافظة على التراث السوري وميراث الأجداد من خلال تلك التحف والأنتيكا في بلد قدم أول أبجدية للعالم، ورغم أنه يمتلك تحفا تقدر قيمتها بآلاف الدولارات فإنه قد يبيت جائعا إن لم ينجح في بيع أحدها طوال اليوم.

الخناجر الدمشقية والمسدسات اليدوية تستقطب الشبان بشدة (الجزيرة)
الخناجر الدمشقية والمسدسات اليدوية تستقطب الشبان بشدة (الجزيرة)

ويخبر الرجل الجزيرة نت أن زبائنه هم من هواة ومحبي المقتنيات القديمة، وهم على دراية بقيمة التحف ولا يشترونها ويدفعون آلاف الليرات السورية عن عبث.

ترقب المجهول
يخشى أبو راشد على مستقبله ومصير مقتنياته ويسكنه هاجس المجهول، ويراقب التطورات السياسية والميدانية بحذر وريبة شأنه شأن أهالي إدلب، ويدعو الله أن يرسل الأمن والسكينة في قلوب الناس، بعد أن باتت المدينة محط أنظار النظام السوري وإعلانه مؤخرا عزمه السيطرة عليها وقتال المعارضة في آخر معقل مدني لها بشمال سوريا.

وعن استمرار عمله في حال سيطر النظام السوري على إدلب يؤكد أنه سيتوقف عن العمل في هذه المهنة لعدة اعتبارات يحتفظ بها لنفسه، لكنه أيضا متمسك بالأمل بأن تكون المدينة التي يصفها بـ"سوريا المصغرة" بخير وتنجو من رحى الحرب التي أتت على معظم المدن السورية وإرثها التاريخي والحضاري.

المصدر : الجزيرة