تونس مستراح الإيطاليين ووجهتهم لاستكشاف مطمور روما
ومنذ سمح القانون الإيطالي عام 2007 للمتقاعدين الإيطاليين بالعيش خارج البلاد، وتلقي معاشاتهم في البلد الذي يختارون الاستقرار فيه، تحولت تونس إلى وجهة جاذبة للباحثين عن حياة مختلفة وبحد أدنى من التكاليف.
وقد مكن القانون الإيطالي ليس فقط من هجرة ما يزيد عن 5000 متقاعد إيطالي للعيش في تونس، وإنما أيضا من تدفق التحويلات المالية باستمرار إلى البلد السياحي في شمال أفريقيا.
وحسب الأرقام والمعطيات التي يقدمها موقع "إيطاليا تسمى إيطاليا" تمثل تونس اليوم الوجهة الثالثة للمتقاعدين الإيطاليين بعد مالطا والبرتغال. ومع استمرار التدفق بمعدل 500 متقاعد جديد كل عام، فإن تونس مرشحة لأن تكون وجهة أولى في المستقبل.
يقول رئيس الكونفدرالية الإيطالية للمتقاعدين أنجيلو سولانزو أثناء زيارته لتونس على رأس وفد، إن "تونس بلد ثقافي متقدم له وزنه في المنطقة. ومع أنه بلد مسلم فهو يملك خصوصيات قريبة من المعايير الغربية".
ويضيف سولانزو أن "تونس توفر سواحل جاذبة للسياحة، وهو قطاع يمثل 15% من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى الصناعات الغذائية، ويمكن لهذا أن يعزز الشراكة بين إيطاليا وتونس".
يعيش أغلب الإيطاليين قرب المنتجعات السياحية الشهيرة بتونس في مدن مثل الحمامات ونابل وجربة وسوسة والمهدية وضواحي العاصمة، ويستخدم أغلبهم اللغة الفرنسية المتداولة بكثرة في تونس، كما يمكنهم التواصل بلغتهم الإيطالية لشيوعها على نطاق واسع بين التونسيين، ولا سيما في المدن السياحية على ساحل المتوسط.
ولا يحتاج الإيطاليون في تونس إلى التفكير طويلا في البحث عن المطاعم الخاصة بالمطبخ الإيطالي، إذ تنتشر "السباغيتي" والبيتزا في تونس، وبكلفة أقل بكثير من المطاعم الإيطالية.
فيمكن شراء البيتزا بنحو يوروين في المتوسط إلى خمسة يوروات، بينما لا يتجاوز سعر طبق السباغيتي بفواكه البحر أربعة يوروات. لكن الميزة الكبرى أن تونس تقدم حياة مريحة بكلفة رخيصة، إذ لا يتعدى مثلا إيجار شقة مساحتها 80 مترا مربعا 200 يورو شهريا. كما تقل أسعار الأدوية 70%عن الأسعار الإيطالية، وينخفض سعر البنزين إلى النصف، هذا إلى جانب أسعار الغلال والخضراوات الطازجة الرخيصة.
ويجيز القانون للإيطاليين إنفاق 20% من معاشاتهم في تونس، وتعد هذه النسبة كافية لتغطية تكاليف المعيشة بسبب تراجع الدينار التونسي أمام اليورو الذي يعادل نحو ثلاثة دنانير، فضلا عن أن نسبة ضئيلة من الضرائب يدفعها الإيطاليون مقارنة بما يحصلون عليه من بدل.
تقول ماريا لوشانتي التي قدمت من إيطاليا مع رفاقها إلى تونس وهي تتجول في المتحف الأثري بقرطاج، "يمكن رؤية روما في كل مكان هنا.. هذا أمر مذهل". وتضيف "تونس ليست بلدا سياحيا فحسب، ولكنها تقدم أيضا مزايا مغرية لمن يرغبون في الاستقرار بها.. هنا الطقس جميل".
ورغم تداعيات الهجمات المسلحة الكبرى التي ضربت تونس عام 2015 خاصة في متحف باردو وفندق "إمبريال مرحبا" بسوسة، فإن عدد السياح عاد ليسجل انتعاشا في تونس بعد فترة ركود استمرت أشهرا طويلة.
وفي الأشهر العشرة الأولى من 2017 نما القطاع السياحي التونسي بنسبة 24% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2016، مع وفود 6.11 ملايين سائح وفروا عائدات تقدر بنحو 929 مليون يورو، حسب وزارة السياحة.
ويقول ممثل الوكالة السياحية التونسية بإيطاليا سهيل شعبان إن قرابة 100 ألف إيطالي قضوا عطلتهم السياحية في تونس هذا العام. لكن خطط صناعة السياحة في تونس تهدف إلى استقطاب المزيد من المتقاعدين الإيطاليين والأوروبيين، فهذه الشريحة تتميز بقدرة إنفاق أعلى من السياح الموسميين.
ويعتقد لوكا بالماس -وهو باحث جامعي إيطالي في علم الاجتماع جاء لزيارة قرطاج التاريخية مع عائلته- أن استعادة السياحة التونسية لنسقها العادي يحتاج إلى علاقات أوسع وأسواق جديدة في العالم، ويجب العمل على أن تكون هناك صناعة سياحية قوية وأن تحدد تونس السياحة التي تريدها.
ولبلوغ خططها، تعمل تونس على طمأنة الأسواق العالمية بعودة الاستقرار الأمني الكامل إلى مدنها بعد فترة عصيبة في عام 2015 شهدت سقوط عشرات القتلى من السياح في هجمات دامية تبناها تنظيم الدولة الإسلامية.
تقول ماريا لوشانتي "صدمت مثل كل العالم لما حدث في متحف باردو، لكن الحياة عادت الآن إلى طبيعتها، وكان على الإعلام الأوروبي ألا يركز على الجوانب السلبية فقط، فتونس لا تزال بلدا جميلا".