شمسي.. مدرسة سيرك تعاني نظرة المجتمع بالمغرب

2ـ ماجدة أيت لكتاوي/ حركات رشيقة وسلسة أمام جمهور من المغاربة والأجانب / مدينة سلا/ المدرسة الوطنية للسيرك "شمسي"
حركات رشيقة وسلسة أمام جمهور من المغاربة والأجانب (الجزيرة)

ماجدة أيت لكتاوي-الرباط

تتكسر أمواج الأطلسي على حافَّة صخرية، محاولة ملامسة سور أثري غربي هو جزء من صرح عتيق يمتد عمره لثلاثة قرون مضت، طاله النسيان والإهمال قبل أن يبعث من رماده وتقام به أول مدرسة لتعليم فنون السيرك بالمغرب والقارة الأفريقية.

هدوء تام يحيط المكان، سرعان ما يتلاشى على بعد خطوات قليلة من البوابة الكبيرة لـ "القصبة الاسماعيلية" سابقا التي باتت تحمل اسم المدرسة الوطنية للسيرك "شمسي" منذ قرابة عقدين من الزمان.

ينتظم طلبة المدرسة بمدينة سلا بالقرب من العاصمة الرباط كخلية نحل لا تتوقف عن التدريب، ولا تفتر من تكرار قفزات وحركات بارعة عشرات المرات إلى حين إتقانها، وهو ما يشرف عليه خبراء مغاربة وأجانب.

‪طلبة مدرسة السيرك يقدمون عرض
‪طلبة مدرسة السيرك يقدمون عرض "الثوب والحديد"‬ طلبة مدرسة السيرك يقدمون عرض "الثوب والحديد" (الجزيرة)

نظرة المجتمع
ليست التدريبات المكثفة والقاسية هي ما يواجه طلبة مدرسة السيرك. كذلك فإن نظرة المجتمع لهذا النوع من المهن تزيد من الضغط على الشباب والشابات ممن اختاروا الانسياق وراء شغفهم، إلا أن النظرة النمطية تكون مضاعفة إذا ما تعلق الأمر بالفتيات.

هذا ما خلصت إليه الشابة كوثر التي لم تتجاوز الـ 19 من عمرها، مفضلة المحاربة من أجل تحقيق أحلامها بدلا من الركون لليأس، خاصة وأن فن السيرك كان بؤرة الضوء في حياة كالحة عاشتها وحيدة بعيدا عن دفء والدتها وأفراد العائلة.

حب الشابة لورشات فنون السيرك وحرصها على استكمال ما بدأته بشكل أكاديمي -عبر الانتساب للمدرسة العريقة في تعليم هذه الفنون- اصطدم برفض بعض أفراد العائلة خاصة الرجال بينما آمنت والدة كوثر بموهبة ابنتها الوحيدة.

ولعل هذه الأحكام المسبقة هي ما جعل كوثر الطالبة المغربية الوحيدة ضمن دفعتها التي تتكون غالبيتها من شباب بالإضافة إلى طالبتين إيطاليتين وثالثة فرنسية.

"يتساءلون كل حين، كيف لفتاة تتمتع بلياقتي البدنية وتتدرب لتصبح لاعبة سيرك أن تجد شابا يتزوجها؟" -تقول كوثر للجزيرة نت- قبل أن تكمل مبتسمة "يزيد الأمر حدة بسبب التخصص الذي اخترته من بين جميع الطلبة والذي يلزمني بالاشتغال دائما مع طالب في إطار ثنائي فني".

لا يزال غالبية المغاربة يحتفظون بنفس الأفكار القديمة عن السيرك وفنونه، متمثلا في الألعاب البهلوانية والمغامرات الخطيرة، وهو الأمر الذي تغير في الواقع بشكل جذري، حيث بات الطلبة والمهنيون المغاربة يقدمون عروضا احترافية وحركات متناسقة تتماهى مع أنغام الموسيقى والضوء.

‪العروض تلاقى استحسان الجمهور‬ العروض تلاقى استحسان الجمهور (الجزيرة)
‪العروض تلاقى استحسان الجمهور‬ العروض تلاقى استحسان الجمهور (الجزيرة)

احتراف
براعة الشباب المغاربة وعشقهم لما يقدمونه جعل عددا منهم يحترف خارج البلاد. محمد النحاس أحد هؤلاء، حيث استطاع إكمال مسيرته المهنية رفقة فرقة سيرك من باريس جاب معها دولا أوروبية وأفريقية عديدة، عقب تخرجه من المدرسة المغربية "شمسي" بدبلوم في فنون السيرك.

الفرص المهنية الواعدة -التي باتت توفرها المؤسسة بفضل أحدث التدريبات برعاية مختصين وفنانين- صارت نقطة جذب لا تعوض، يبذل من أجلها الطلبة الغالي والنفيس لتحقيق حلم منتظر.

أما زهير شوقي فقد اضطر إلى الانتقال لمدينة سلا تاركا والديه ومدينته البعيدة، منشغلا عن كل شيء إلا تكوينه بـ "شمسي" ودراسته بالسنة الأخيرة بالجامعة.

ويحكي الشاب ذو 21 ربيعا -الذي اكتشف منذ صغره أنه موهوب في الرقص- كيف تعلم في الشارع وبين الرفاق، وكان يحاكي حركاتهم وتمايلهم مع نغمات موسيقى الهيب هوب وغيرها، وهو الأمر الذي جعله يرغب في احتراف هذا الفن.

لم يُثنه شيء عن الالتحاق بالتكوين الأكاديمي داخل المدرسة التي سمع عنها بالصدفة، راغبا في تطوير مهاراته والارتقاء بها ليصبح فنانا محترفا ومهنيا عقب الانتهاء من دراسته وتكوينه التي يتكفل والده بجزء كبير من أعبائها المادية.

رغبة الشاب في الاستمرار وتحقيق ذاته جعلته يسعى لجني جزء من مصروفه عبر تنشيط حفلات وتأطير ورشات لفائدة الصغار إلى جانب تقديم عروض فردية أو جماعية في إطار ما يعرف بـ "فن الشارع".

بعيدا عن هذه العروض الهاوية، يتدرب زهير وكوثر وباقي طلبة المدرسة لتقديم عرض احترافي تحت اسم "الحديد والثوب" هو الأول في حياتهم التكوينية والمهنية.

شعار يحمل رمزية كبيرة عبر عنصرين يشيران للصلابة والسلاسة والتي لابد أن يمتلكهما كل طالب بفنون السيرك لينطلق إلى مستقبل ناجح دون عثرات.

المصدر : الجزيرة