"جزارة الدكتور".. بيطريات يبعن اللحم بصعيد مصر

تشرف الطبيبات على كافة الأعمال داخل الجزارة، ويقدمن النصائح والإرشادات للزبائن. (تصوير خاص للطبيبات الثلاثة أثناء وجودهن في الجزارةـ بني سويف ـ مصر ـ سبتمبر 2017).
البيطريات الثلاث تحملن عبء نفقات المشروع وتجهيزاته من مالهن (الجزيرة)

ياسر سليم-القاهرة

تقف آية إسماعيل خريجة العام الماضي من كلية الطب البيطري في محل الجزارة الذي افتتحته حديثا مع زميلتيها بالدراسة لمياء عبد الناصر وأميرة ابراهيم، وهن يرتدين معاطف الأطباء البيضاء، ويمسكن بالسكاكين في يد وبالأقلام في اليد الأخرى.

فبعد أن أنهين مسارهن الأكاديمي، وخضن تجارب عمل قصيرة، قررن نهاية المطاف خوض تجربة جديدة غريبة عن مجتمع صعيد مصر حيث افتتحن قبل شهرين "جزارة الدكتور" وسط مدينة بني سويف في صعيد مصر جنوب القاهرة.

وسريعا، أضحى المشروع حديث مدينتهن بعد أن نافسن الرجال في مجال اختصاصهم، كما بات المحل أشهر وجهة لراغبي اللحوم المضمونة، وسط شكوك من المصريين في صحة اللحوم التي يشترونها من محلات الجزارة.

هناك من يقبل بدافع الشراء وآخرون بدافع الفضول فـ "من الغريب بالنسبة لمجتمع صعيدي أن تجد شابات يبدو عليهن أنهن متعلمات يمسكن بالسكاكين ويقفن بجوار الذبائح المعلقة يقطعن أجزاءها لبيعها" كما تقول آية.

‪تعتمد الطبيبات على ثقة الزبائن بعد انتشار اللحوم المغشوشة‬ تعتمد الطبيبات على ثقة الزبائن بعد انتشار اللحوم المغشوشة (الجزيرة)
‪تعتمد الطبيبات على ثقة الزبائن بعد انتشار اللحوم المغشوشة‬ تعتمد الطبيبات على ثقة الزبائن بعد انتشار اللحوم المغشوشة (الجزيرة)

طبيعة الأنثى
كانت آية تحلم بالتخصص كطبيبة بيطرية في مجال الدواجن ثم رأت أنه تخصص غير مناسب، فعملت وزميلاتها في مبيعات الأدوية، ثم تفتقت بذهنها فكرة غير تقليدية في جلسة مع زميلتيها على كورنيش بني سويف حيث يبلغ النيل أقصى اتساعه.

كانت الفكرة هي إقامة مشروع خاص، يشبه ما قد قرأنه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك عن تجربة ناجحة لزميل افتتح جزارة بمدينة الإسماعيلية شمال شرق القاهرة، فتواصلن معه بالخصوص وبدأت حينها الفكرة في التبلور.

وعلى العكس كان موقف الأهل "الذين اعترضوا في البداية، على كون الجزارة تتعارض مع طبيعة الأنثى الرقيقة التي يرعبها مرأى الدم المتقطر والذبائح المعلقة" وفق ما تقول البيطرية أميرة إبراهيم الشريكة الثانية بالجزارة.

مع ذلك تيسرت الأمور، حيث أوضحت أميرة أنه تم إقناع الأهل أن "عملنا الأساسي سيكون الإشراف على المساعدين والموظفين" ورغم ذلك ظل استمر التشكيك في قدرة الطبيبات على الشروع في الفكرة حتى جرى افتتاح الجزارة.

ولا تجد البيطرية لمياء عبد الناصر ـوهي الشريكة الثالثة بالجزارةـ حرجا في الاعتراف بأن "أحد الدوافع كان قلة فرص العمل في مجال الطب البيطري في مصر عموما، رغم كونهن من الأوائل على دفعتهن الدراسية".

ولا يبدو أن المشروع في بدايته مربح كثيرا كما قد يعتقد البعض من مشهد الإقبال بحرارة على الجزارة فـ "المشروع لايزال قيد التقييم في بدايته، لكننا متفائلون" تقول لمياء.

البيطريات الثلاث تحملن عبء نفقات المشروع وتجهيزاته من مالهن إلى جانب البيطري صاحب جزارة الإسماعيلية محمد خليفة الذي تحمس هو الآخر للمشروع وشاركهن فيه.

‪الطبيبات الثلاث بدأن المشروع بمجهودهن وسط تحذيرات من عدم النجاح‬ الطبيبات الثلاث بدأن المشروع بمجهودهن وسط تحذيرات من عدم النجاح (الجزيرة)
‪الطبيبات الثلاث بدأن المشروع بمجهودهن وسط تحذيرات من عدم النجاح‬ الطبيبات الثلاث بدأن المشروع بمجهودهن وسط تحذيرات من عدم النجاح (الجزيرة)

الإشراف الطبي
وينبع الإقبال على "جزارة الدكتور" بدافع من اطمئنان الناس إلى الإشراف الطبي على اللحوم بعد انتشار ظاهرة بيع لحوم الكلاب والحمير على أنها لحوم أبقار وجواميس وأغنام، وفق ما تقول نورة أحمد وهي من زبائن الجزارة.

نظافة المكان وطبيعة الخدمة التي توفرها الجزارة ما يجعلها مميزة عن البقية، كانتا من النقاط التي جذبت نورة إلى "مجزرة الدكتور" التي تحرص فيها البيطريات "على التوافق مع كافة الاشتراطات الصحية واستيفاء الأوراق الرسمية، فالذبائح داخل الجزارة المكيفة، أما اللحوم المفرومة فهي في ثلاجات حفظ نظيفة".

ولا تتميز الجزارة بأي ميزة سعرية عن باقي جزارات المدينة، فكيلو اللحم المعلن على الجزارة هو 130 جنيها (أقل من ثمانية دولارات) ويزيد بأقل من دولار للكيلو للزبون الذي يطلب تقطيعاً خاصا للحم، كما خصصت البيطريات رقما للتوصيل للمنازل.

وتطغى دراسة البيطريات على عملهن، فيقدمن حزمة من النصائح والإرشادات الغذائية للزبائن، من حيث القيمة الغذائية لكل جزء من الذبيحة، والطريقة المثلى للاستفادة منها، وذلك الشرح مصحوب بلوحة إرشادية داخل الجزارة.

كما تستفيد البيطريات من دراستهن لنظام تحليل المخاطر التي يمكن أن تصيب الأطعمة، وكيفية التحكم بها لوقايتها من البكتريا، ذلك لأنهن يشرفن بأنفسهن على ذبح الحيوان في المجزر الرسمي، وكذا عملية نقله للجزارة، وأحيانا يشاركن العمال في تقطيع اللحوم إذا تطلب الأمر، لكنهن يفضلن المهام البسيطة مثل فرم اللحم وتغليفه.

المصدر : الجزيرة