الطربوش إرث عثماني وصناعة مصرية
في أحد شوارع القاهرة القديمة يعود بك التاريخ إلى حقب سابقة كانت تشتهر بارتداء الطربوش، بمحل يكاد يكون الوحيد المحافظ على تلك الصناعة.
الزبائن الثلاثة يتمثلون في علماء الأزهر الذين يرتدون إحدى قبعاته الشهيرة، والفنانين لاستخدامه في أعمالهم، والسياح، وذلك وفقا لأحد صناعه.
تختلف الروايات حول بداية ظهور الطربوش في مصر، فيقال إن بداية صناعته تعود إلى نحو 400 سنة، وأول ظهور له كان في اليونان وألبانيا، ثم انتقل إلى العرب خلال الحقبة العثمانية، فأصدر السلطان سليمان القانوني عدة فرمانات في غرب المنطقة ومشارقها بتعميمه كزي بروتوكولي.
وعرفت مصر صناعة الطربوش في عهد محمد علي باشا في القرن التاسع عشر، وكان ارتداؤه عادة عثمانية، ثم أصبح مكوناً أساسياً في زي موظفي الحكومة، ويعاقب من لا يلتزم به.
مظهر للوقار
وظل الطربوش ﻣﻈﻬﺮﺍً مهماً ﻟﻠﻮﻗﺎﺭ ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﻧﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ في ﻣﺼﺮ حتى قيام ثورة يوليو/تموز 1952، حين قرر الرئيس جمال عبد الناصر إلغاء فكرة إلزامية ارتدائه.
في وسط القاهرة وتحديدًا منطقة الغورية، تقع ورشة محمد الطرابيشي، أحد أقدم الورش لصناعة الطرابيش هناك.
عن صناعة الطربوش يقول أحد ورثة المهنة عن أجدادهم وهو الأربعيني المصري أحمد الطرابيشي "في البداية يتم الحصول على مقاس رأس الشخص، ونتعرف منه على الارتفاع الذي يريده في الطربوش".
ويضيف "بعد ذلك نأتي بخوص النخيل (السعف) من منطقة رشيد (شمالي مصر)، وبعدها نكوي الخوص في قالب نحاسي خاص بمقاس الطربوش، حيث يوجد أكثر من عشرة قوالب، حسب مقاس رأس كل شخص، ثم نضع القالب على النار كي يتم كيها ثم نتركها حتى تبرد".
ووفق أحمد الطرابيشي، يأتي بعد ذلك الصانع بالجوخ (نوع من القماش لونه أحمر) ويكويه في قالب مقاس رأس الشخص ليأخذ شكل الطربوش.
ويضيف "بعدها نلصق الخوص والجوخ بمادة لاصقة مع كيهما مرة ثانية، ثم نبطّن الخوص بقماش عن طريق الخياطة وبعدها نضع زر الحرير (خيوط من الحرير فوق العمامة) الذي يوجد منه أكثر من لون ويتم اختياره حسب رغبة الشخص ومهنته".
وعن الأسعار يقول الطرابيشي إنها مختلفة حسب نوع الخوص والجوخ المستخدمين في صناعة الطربوش، فتبدأ من 20 جنيهًا (نحو دولار واحد)، ويصل سعره في بعض الأحيان 250 جنيهاً (نحو 13 دولاراً).
أشكال مختلفة
من جهته يقول الخمسيني ناصر عبد الباسط الذي يعمل في المهنة منذ كان عمره 5 سنوات، إن الطربوش المتداول خلال مرحلة ما قبل عبد الناصر هو الذي اختفى من على رؤوس الناس، ورغم ذلك يتم بيعه للعاملين في مجال السينما والتلفزيون.
ويشير عبد الباسط إلى أن صانعي الطرابيش يعتمدون حاليًا على البيع للمقرئين والأئمة والخطباء الذين يشترون الطربوش لكونه يعطي صاحبه الوقار.
وعن أشكال الطرابيش يقول إنها تختلف فيما بينها باختلاف "الزر" (قطعة قماش تتدلى من الطربوش) فكل زر له دلالة معينة، فعمّة المقرئ تكون باللون الأحمر وزر لبني.
ويضيف "هناك طربوش أحمر بزر أسود يرتديه الواعظ والإمام والداعية والمدرس وشيخ المعهد، ويوجد طربوش خاص بالصوفيين لونه أخضر، بالإضافة إلى طرابيش أخرى بألوان مختلفة للسياح خاصة سُياح دول شرق آسيا".