عريفة.. عجوز فلسطينية تكافح على مقاعد الدراسة

فلسطين- الضفة الغربية- جنين- الحاجة عريفة أضحت تكتب وتقرأ بفضل مثابرتها ومواصلة جهودها بالتعلم- تصوير عاطف دغلس- الجزيرة نت8
الحاجة عريفة أضحت تكتب وتقرأ بفضل مثابرتها ومواصلة جهودها في التعلم (الجزيرة)

عاطف دغلس-جنين

بين ثنايا الكتب المبعثرة أرضا، قضت الحاجة عريفة وقتا لتستخرج كتابي اللغة العربية والرياضيات. إنه درس اليوم بحسب البرنامج  المقرر، ودون التحضير لذلك لن يستقر لها حال داخل الصف الدراسي، خاصة أنها معروفة بتفاعلها.

ثمة منظر جميل يروق لكل زائر لبيت "الطالبة" عريفة ملايشة في أعلى قمة الجبل بقريتها جبع شمال الضفة الغربية، منازل القرية وسهولها والقرى المجاورة، لكن للمشهد الجميل ضريبة تدفعها عريفة وحدها بصعودها ونزولها صباح مساء طلبا للعلم.

لا يضير الحاجة السبعينية -وهي تضم بين يديها النحيلتين كتبها ودفاترها- وعورة الطريق وصعوبتها، فالمهم بالنسبة لها هو الوصول باكرا والانتظام في طابور الصباح.

"ذات مرة انزلقت قدمي وأصبت بكسر فيها، لكني لم أنقطع عن الذهاب للمدرسة وسأظل حتى الموت"، بهذا تصف عريفة حالة الجلد والتحدي التي تكتنفها.

عريفة تقطن في أعلى قمة الجبل بقرية جبع شمال الضفة الغربية وتنطلق منه صباح كل يوم للمدرسة (الجزيرة)
عريفة تقطن في أعلى قمة الجبل بقرية جبع شمال الضفة الغربية وتنطلق منه صباح كل يوم للمدرسة (الجزيرة)

وللسنة السادسة تواصل عريفة تعليمها في مدرسة بنات جبع الأساسية، وقد تعلمت أشياء كثيرة أهمها القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، وأصبحت عنصرا مهما ولها حضورها بين أكثر من ستمئة طالبة.

طالبة مجتهدة
لأب فلاّح ولدت عريفة مع أشقاء وشقيقات تزوجوا وانتقلوا لمنازلهم، وظلت وحدها تصارع شظف العيش وقسوته، فالعمل في الأرض يتطلب جهدا كبيرا نأى بها عن الالتحاق بأي من حلقات العلم ومدارسه، وظلت عقودا على الحال ذاتها إلى أن اهتدت لمركز لمحو الأمية أقيم في قريتها أواخر تسعينيات القرن الماضي، لكنه سرعان ما أغلق وأغلقت معه آمال عريفة بمستقبل تعليمي أفضل.

تتابع قائلة إنها لم تفقد الأمل يوما في دخول المدرسة، وتحقق الحلم قبل ست سنوات بدعم من مسؤولين في وزارة التربية والتعليم.

وفي البيت تواظب عريفة على حلِّ واجباتها، فقد صارت تتقن القراءة والكتابة جيدا مما ساعدها على حفظ سور من القرآن الكريم وقراءته، أضف إلى ذلك معرفتها الجيدة بالتعامل مع جهاز الهاتف النقال وحتى التعلم على الحاسوب الذي أهداه لها أحد المسؤولين تشجيعا لها.

تحيط عريفة بيتها بأكوام من الحطب والقش خشية صبية يقتحمون عليها وحدتها وأُنسها بالقراءة.

‪مشغولات طينية تعدها عريفة وتساعد بها الطالبات على تقريب الأمثلة التي تمر معهم بالدروس‬ (الجزيرة)
‪مشغولات طينية تعدها عريفة وتساعد بها الطالبات على تقريب الأمثلة التي تمر معهم بالدروس‬ (الجزيرة)

وداخل المدرسة، ليست عريفة الحاجة المسنة كما يعرفها الأهالي بل الطالبة النشطة التي تلتزم المقعد الدراسي ولا تتغيب عنه، بل تشارك في النشاطات الصفية وترفد المدرسة بمصنوعات طينية تراثية وخزفية وأخرى من القش تعدها في البيت توضيحا للدروس ولتقريب الصورة لزميلاتها الطالبات، بحسب ما تقول المعلمة فاطمة خليلية.

إصرار وتحدٍ
وتضيف المعلمة فاطمة أن "لدى فاطمة إصرارا وتحديا كبيرا"، لذا فهي تجتهد في تعليمها بالطرق الأفضل مستغلة أوقات الفراغ أثناء الحصص أو خلال تكليف الطالبات بنشاطات صفية.

تشير إحصائيات رسمية أنه خلال عام 2015 بلغت نسبة الأمية بين الفلسطينيين أكثر من تسعين ألفا موزعين بين الضفة وغزة، وأن أكثر من نصفهم من النساء، وغالبيتهم من كبار السن رغم توفير مراكز لمحو الأمية.

لكن المشكلة تبقى -وفقا لمديرة مدرسة بنات جبع الأساسية رويدا عطا الله- في صعوبة الاندماج بين عريفة أو من هم أمثالها والطلبة الصغار، لذا يكون الحل بتوفير غرف صفية داخل المدارس لتعليمهن وليس للاقتصار على مراكز محو الأمية فحسب.

وتقول رويدا إنهم يقدرون عريفة جدا ويدعمون طموحها المنقطع النظير، ولا سيما أنها ساعدت في تسهيل عملية اندماجها مع الطالبات وحتى المعلمات صرن صديقات لها.

ما تعلمته عريفة مكنها من تدوين خواطر وأهازيج شعرية تراثية تحفظها، أما طموحها فقد كان الوظيفة أو المنصب إلى أن تصبح "نائبة برلمانية" كي تدافع عن حقوق المرأة وأهمها حقها في التعلم، أما أملها الذي لم تبح به عريفة ورأيناه بأعيننا، فليس أبعد من تأمين مواصلاتها إلى المدرسة.

المصدر : الجزيرة