عراك الكباش في تونس بين فخر الفوز وعار الهزيمة

صراع الأكباش في تونس
جمهور من التونسيين يتابع عراكا بين كبشين (الجزيرة)

خميس بن بريك-تونس

في مستودع صغير فُرِش بالقش الأصفر، يغمس "كوبرا" بطل تونس حاليا في مصارعة الكباش رأسه ليأكل من وعاء مليء بالشعير، ثم يأخذ نفسا عميقا رافعا قرنيه الغليظين بشموخ، بينما يقوم مالكه بتدليكه وتنظيف صوفه الأبيض من الخلف.

يعيش "كوبرا" منعزلا في غرفة اقتطعها مربيه من منزل والده بمنطقة حي الخضراء، أقدم الأحياء الشعبية المتاخمة للعاصمة تونس. الجميع هنا يحبونه فقد رفع رؤوسهم عاليا بفضل استرجاعه لقب البطولة إلى منطقته بعد أربعين عاما.

يُطلق مربو الكباش تسميات رنانة على كباشهم مستوحاة من أوصافهم أو من أسماء شخصيات أو حيوانات. واستمد "كوبرا" تسميته -حسب مربيه- من الأفعى لأنه يلوي رأسه يمينا وشمالا عندما يعود إلى الخلف مستجمعا قوته قبل أن يقارع خصمه. 

في غرفته التي تزينت بكؤوس البطولة، يحاول "كوبرا" الذي جمع بين صفاء لون رأسه الأسود الداكن وشعر جسمه الأبيض الناعم، أن يداعب مربيه محمد مرزوق (28 عاما) على طريقته، فيتراجع بأقدامه المنغمسة بثبات في الأرض ثم يقفز لينطحه.

بيد أن الحبل المتين الذي يوثق عنقه الغليظ على مقربة من الأرض سرعان ما يجذبه بقوة إلى الأسفل فيزداد الكبش ثورانا وإصرارا على الوثوب.. ترتسم ابتسامة على وجه مربيه ثم يقول مازحا "لا تخف إنه يحاول فقط مداعبتي بكسر رجلي".

علاقة حميمة تجمع المربي سامي بكبشه
علاقة حميمة تجمع المربي سامي بكبشه "كوبرا"(الجزيرة)

الكباش نوعان
تُربى كباش المصارعة عادة في غرف صغيرة تسمى "مخازن"، ويضع بعض المربين كباشهم في أماكن ضيقة حيث توثق بحبال قصيرة وسط الظلام الدامس لتزداد شراسة، وتُغذى بمختلف أنواع الأعلاف والغلال والبقوليات لتزداد بسالة.

لا يعتمد محمد الذي ينشط في تجارة الاستيراد والتصدير على طرق قاسية في تربية "كوبرا"، وإنما يقدم له عناية الأب لابنه، فهو لا يذهب إلى مضجعه قبل أن يتفقد صحته ويطعمه.. مسألة باتت تزعج عائلته التي طلبت منه التخلي عنه بلا طائل.

يوجد في تونس نوعان من الكباش يرى أصحابها أنها خُلقت من أجل المصارعة، وهما: "الفرناني" المنتشر بكثرة في جبل فرنانة بولاية جندوبة المحاذية للجزائر، و"الغربي" المنتشر في الشمال والجنوب الغربييي.

ويقول محمد -المغرم أيضا برياضة كرة القدم وركوب الدراجات النارية- إن أسعار هذه الكباش تختلف حسب جودتها ومهارتها. ويبدأ سعر الكبش الصغير من 500 دولار، بينما قد يصل سعر الكبش الذائع الصيت حتى 25 ألف دولار. 

تقفز أسعار الكباش -كما في أسواق البورصة- إلى أعلى مستوى كلما انتصرت في المصارعة، ويلعب عامل الحظ دورا مهما في الانتصار أو الهزيمة، بينما تباع الكباش المهزومة بأسعار لحم الخروف المعروضة عند الجزار لأنها أصبحت "مصدرا للعار".

‪‬ حلبات مصارعة الكباش تغص بالمتفرجين الشغوفين باللعبة(الجزيرة)
‪‬ حلبات مصارعة الكباش تغص بالمتفرجين الشغوفين باللعبة(الجزيرة)

ساحات مناطحة
تنظم منافسات صراع الكباش بتونس في الهواء الطلق فوق حلبات تسمى "البطاحي"، وهي ملاعب غير عشبية لكرة القدم. وحاليا لا تنشط جامعة تونسية لمصارعة الكباش بسبب مشاكل تنظيمية، لذلك يقوم المربون بأنفسهم بتنظيم المنافسات.

يقول محمد إن أصحاب الكباش المعروفة بقوتها يطلبون من بعضهم قبول المبارزة ثم يتفاهمون على تاريخ محدد للمصارعة. وعادة ما يطلب من مربي الكبش الحامل للبطولة النزال مع كباش أخرى، لكنه هو من يختار المنافس الأقوى.

في كل تصفيات جديدة يذهب سامي مع أصدقائه إلى حلبات المصارعة للفرجة حيث يأتي الجمهور من كل حدب للاستمتاع وتشجيع كباش أنصارهم التي يتم تزيينها بالحنة والأغطية المزركشة والأعلام والقلادات المرصعة بالعاج والنحاس.

أنصار الكباش الفائزة تغمرهم الفرحة بعد كل فوز بالمعركة (الجزيرة)
أنصار الكباش الفائزة تغمرهم الفرحة بعد كل فوز بالمعركة (الجزيرة)

مع انطلاق كل مباراة يتراجع الكبشان الخصمان خطوات طويلة إلى الوراء ثم يركض كل منهما صوب الآخر لتلتحم قرونهما بقوة لتصدر صوتا مدويا، ثم يستمر الصراع إلى أن يظهر على أحدهما الإعياء أو الخوف أو يسقط أحدهما قتيلا على أرض المعركة.

بعد انتهاء المقابلة يرتفع صراخ مشجعي الكبش الفائز هاتفين باسمه، ثم يهنئون مالكه ويلتقطون معه الصور كأنه نجم، قبل أن يعودوا إلى منطقتهم ليحتفلوا بالنصر الذي جلب لهم الفخر، بينما يعود مربي الكبش الخاسر مع أنصاره خائبا.

رغم هذا البهرج يرى رئيس جمعية الرفق بالحيوان سامي المزابي أن هذه اللعبة قاسية على الكباش وخطرة على حياتها.

وبحكم عمله كبيطري، رأى المزابي بأم عينيه تعرض كباش إلى ارتجاج في الدماغ والكسر والخلع والموت، لكنه يقول للجزيرة نت إن مصارعة الكباش راسخة في تقاليد التونسيين ولا يمكن بسهولة دفعهم إلى التخلي عنها.

المصدر : الجزيرة