"نزلة" الفخار وسط مصر.. كانت صرحا من افتخار فهوى

غم امتدادها لآلاف السنين إلا أن صناعة الفخار المصرية التي عكست طبيعة وذاكرة الكثير من الحضارات التي عرفتها البلاد على مدار العصور، أصبحت "صرحًا خاويا"، حسب أحد ممتهنيها الذي حذر من انقراضها حال تجاهل الحكومة تنميتها. والفخار هو مواد تشكيلية وقطع فنية صغيرة مكونة من الطين تعكس كغيرها من الفنون ثقافة وقيم الشعوب التي تحترف صناعتها. وفي جولة لمراسل الأناضول بمنطقة "النزلة" بمحافظة الفيوم، وسط مصر، التي اشتهرت بما يمكن وصفه بـ"زواج كاثوليكي" بين الطين والنار، يعود تاريخه في مصر إلى عهد الفراعنة، لوحظ تراجع لغة الافتخار بالمهنة التي ظلت لسنوات مصدر غنى وإبداع بين صُنَاعها.1
خلط "الطفلة" بالقش الناتج عن غربلة القمح ليكون أكثر مرونة وسهولة في التشكيل (الأناضول)

رغم امتدادها آلاف السنين فإن صناعة الفخار المصرية التي عكست طبيعة وذاكرة الكثير من الحضارات التي عرفتها البلاد على مدار العصور؛ أصبحت "صرحا خاويا"، حسب أحد ممتهنيها.

وفي جولة لمراسل الأناضول بمنطقة "النزلة" بمحافظة الفيوم (وسط مصر)، التي اشتهرت بالفخار، لوحظ تراجع لغة الافتخار بالمهنة التي ظلت لسنوات مصدر غنى وإبداع بين صناعها.

ووفق صنّاع في "النزلة" تحدثت إليهم مراسلة الأناضول، فإن فخارها ذائع الصيت أصبح في مهب الأزمات المالية والأمنية التي تشهدها البلاد، خاصة مع ندرة المتمسكين بالمهنة في هذه الفترة، الذين لا يتجاوز عددهم الثلاثين بعدما كانوا مئات منذ سنوات.

وسُميت المنطقة "النزلة" لأنها أشبه بمنحدر، بجانب نهر يجري وأرض خصبة، ويظهر للناظر عشرات المباني الصغيرة البدائية المبنية من الطين والخوص (نبات)، وأدوات بدائية، وعشرات الأواني الفخارية المرصوصة، وعرق ينزل من جباه صُنّاع مختلفي الأعمار.

ويستخدم أهالي "النزلة" في صناعة الفخار الآلات البدائية المُتمثلة في "عجلة الفخار"، والمطرقة المصنوعة من الطمي، وقاعدة خشبية دائرية الشكل تستخدم في صنع وتشكيل أشكال فخارية.

و"عجلة الفخار" عبارة عن قطعة مستقيمة من الخشب بين جدارين يتوسطها عمود معدني، أسفل هذا العمود قطعة خشبية دائرية، يقوم العامل بتحريكها من خلال قدميه فتتحرك معها قطعة الفخار بأعلى العمود الحديدي لبدء تشكيلها بالشكل المطلوب.

‪الفخار يوضع في الشمس أربعة أيام صيفًا وأسبوعا في الشتاء قبل وضعه في أفران ليصبح أكثر صلابة‬ (الأناضول)
‪الفخار يوضع في الشمس أربعة أيام صيفًا وأسبوعا في الشتاء قبل وضعه في أفران ليصبح أكثر صلابة‬ (الأناضول)

مجد ثم هجر
ناصر ربيع (45 عاما) قضى أكثر من ثلاثة عقود في مهنة صناعة الفخار، تحدث عن مجد المهنة التي جعلت من منطقته "النزلة" قبلة للسياح والتجار منذ عشرات السنوات، قبل أن يهجرها الجميع بعد إغلاق أكثر من ستين ورشة بسبب حالة الركود.

ويضيف ربيع -وهو يجفف عرقه بنبرة حزينة- أن مهنة الفخار التي تنتشر في قرى أخرى بمحافظة الفيوم مثل "تونس" و"الإعلام" مُتعبة وغير مُربحة. 

وعن كيفية صناعة الفخار يُبين ربيع أنه يشتري ما يقرب من ألف كيلو طفلة (طين) من الأراضي غير الصالحة للزراعة بـ150 جنيها (17 دولارا) كل عشرة أيام، ويقوم بخلطه بالماء تمهيدا لتشكيله.

ويشرح أنه يتم خلط الطفلة بالقش الناتج عن غربلة القمح ليكون أكثر مرونة وسهولة في التشكيل، ثم يوضع في الشمس أربعة أيام صيفًا، ولمدة أسبوع شتاءً، قبل وضعها في أفران النار لحرقها لتصبح أكثر صلابة ومتانة قبل بيعها.

ويقول ربيع إن فخار الطين والنار معروف للمصريين وللسياح في أشكال سلع للاستخدام المنزلي مثل أواني تخزين المياه المعروفة باسم "الزير" الموجود في الريف المصري، بالإضافة إلى أواني الطبخ وحفظ الزبد والجبن، وطواجن إعداد وطهي الدواجن والخضراوات واللحوم، بالإضافة إلى منتجات فولكلورية تستخدم في تزيين حدائق المنازل والديكور المنزلي.

‪صانعو الفخار يشتكون‬ (الأناضول)
‪صانعو الفخار يشتكون‬ (الأناضول)

 

المصدر : وكالة الأناضول