مكالمة تحل الطلاسم المنحوتة بعكا
وديع عواودة-عكا
مرت عشرات السنين على سكان مدينة عكا وهم يحارون في سر أبيات شعرية منقوشة على باب مسجد أحمد باشا الجزار، حتى انكشف اللغز أخيراً بمكالمة هاتفية قادمة من العاصمة السعودية الرياض.
وبأعلى مدخل المسجد -الذي بني قبل نحو 250 عاما- نقشت ستة أبيات شعرية بالرخام الأزرق، وطالما احتار الأهالي في معانيها وهوية كاتبها ومناسبتها وهدفها:
باكر إذا ما ضفت ألطف جامع- جمع البها وإلى غرائبه اغترب
واسأل إلهك أن يديم وجود من – قد شاده في كل وقت يستجب
ذاك الوزير الشهم أحمد من غدا – جزار أعناق العداة كما يجب
فاعكف لذكر الله في روضاته – واعمل لوجه الله فيه محتسب
واملأ صحائف من أقام أساسه – دوما بفاتحة الكتاب ولا تغب
وإذا مررت به تجد تاريخه- فاعبد لربك جاء "واسجد واقترب
ويعد مسجد أحمد باشا الجزار في عكا داخل أراضي 48 واحد من المساجد التاريخية والجميلة في فلسطين، حيث يتميز بكثرة الزخارف والأعمال الفنية.
وأحمد باشا الجزار هو والي صيدا في نهاية القرن الـ18، وقد اتخذ من عكا عاصمة له، ومارس حينها حكما مستقلا غير معلن عن الدولة العثمانية في مناطق من لبنان وسوريا وفلسطين.
والجزار -الذي اكتسب لقبه بسبب شدة بأسه- ينحدر من ألبانيا وذاع صيته بعدما صمدت عكا في الحصار المفروض عليها من قبل نابليون بونابرت بفضل تحصينه لها، وقد دفن بباحة مسجده بعد وفاته في 1804.
ويقول مصطفى قطيط -وهو من أبناء عكا- إن أبيات الشعر هذه لطالما أثارت فضول الناس واستوقفتهم لقراءتها كاملة وفهمها ولكن دون جدوى حتى باتت تعرف عندهم بالطلاسم المنحوتة.
قطيط -الذي يكتب الشعر- أوضح للجزيرة نت أنه تلقى سيلا من الأسئلة والملاحظات حول القصيدة قبل أن يتلقى مكالمة من أحد أصدقائه بالفيسبوك، وهو إياس الريماوي المنحدر من عكار والمقيم حاليا في الرياض.
ويشبه الأبيات بألف قطعة مبعثرة أعاد الريماوي ترتيبها وحولها للوحة جميلة في لحظة واحدة.
وحسب تفسير الريماوي، فإن القصيدة عبارة عن وصية غامضة يوصي فيها المخاطِب المخاطَب بأن يعجل غدا لمسجد الجزار في الصباح الباكر لسبب غامض.
وأوضح الريماوي في مكالمته أن صاحب القصيدة هو القاضي الشيخ الفقيه يوسف بن أحمد الريماوي الهاشمي، وقد كتبها مخاطبا ابنه الشيخ الفقيه أحمد يوما قبيل وراثته منصب القضاء منه.
وينقل قطيط عن الريماوي قوله إن الأب يحث الابن على التبكير لمسجد الجزار كي يستلم المنصب ويباشر القضاء بين الناس ومن ثم الدعاء لمن بناه.
وبعدها تنتقل القصيدة لذكر مناقب الجزار وتنتهي بالحث على الإخلاص في العمل، والشكر لله بالعبادة من صلاة وسجود، وهي تقول إن القضاة يخافون الله ويعلمون أن القضاء أمانة كبيرة.
ويستذكر قطيط أن إياس أحد أحفاء عائلة الريماوي، وأن جامع الجزار كان دار القضاء لكل فلسطين.
ويتمنى قطيط أن يعيد الله مسجد الجزار مركزا للفقهاء والقضاة الذين يحكمون بين الناس بالقرآن والسنة.
ومن ناحية المضمون، يوضح الشاعر جريس دبيات للجزيرة نت أنه كان على المهتمين باللغة العربية والتاريخ الإسلامي أخذ الأمر بجدية منذ زمن بعيد بسبب أهمية مسجد الجزار ومكانته التاريخية والدينية والثقافية.
ويتابع "ساءني الإهمال لسنين، وقد سرني هذا العمل الذي فك اللغز الشعري، فهي قصيدة جميلة ذات أبعاد دينية وأخلاقية ورسالة تربوية، وكشف سرها وتبيان قيمتها الأدبية مهمان لتراثنا ووجودنا".