أطفال صينيون لا حق لهم بالوجود

عائلة لي شوي المتمردة على قانون الطفل الواحد
undefined

عزت شحرور-بكين

"لي شوي"، فتاة صينية لم تكمل عقدها الثاني بعد، هي في ربيع العمر كما تبدو لكن حياتها كلها خريف. كانت تنتظرنا غير بعيدة عن بيتها، تدس يداها في جيبها اتقاء البرد وقدماها تعبثان بأوراق شجر صفر تساقطت على الأرض. ترحب بنا بابتسامة بريئة وتصحبنا إلى منزلها عبر أزقة الحي الضيقة. على أحد الجدران تتدلى لوحة معدنية تحمل اسم الحي "حي الديمقراطية"، لا بد أن يستهويك الاسم لكنك عندما تغوص في تفاصيل سكانه يصدمك الواقع.

ثمة مدرسة على الطريق، لكن "لي شوي" تزيغ ببصرها عنها وتحبس دمعة كادت أن تنهمر من عينيها. تقول وفي الصوت حشرجة وغصة "أختي الكبرى كانت تدرس هنا، وهي التي تعلمني في المنزل".

لي شوي: طريق طويلة في رحلة إثبات الذات (الجزيرة)
لي شوي: طريق طويلة في رحلة إثبات الذات (الجزيرة)

"لي شوي" تحفظ بعض الكلمات الإنجليزية، لكنها لا تجيدها بالطبع، فهي لم تدخل المدرسة طوال حياتها. حظها العاثر حرمها من حقوق كثيرة، لعل حقها في التعليم هو أبسطها. فقد كان قدرها أن تكون الطفلة الثانية في بلد يتبنى سياسة الطفل الواحد ويمنع إنجاب أكثر من طفل، بل يعتبر ذلك جريمة يعاقب عليها القانون.

"لي شوي" هي الابنة الثانية لأبوين معاقين، أثمر زواجهما عن طفلتهما الأولى وهي كل ما يسمح به القانون، لكن الزوجين المعاقين تجرآ على تحدي القانون وأرادا أن يكون لهما ولد ينفعهما في الكبر ويعينهما على نوائب الدهر، لكن القدر شاء أن ينجبا بنتا ثانية هي لي شوي، وكان عليهما أن يدفعا الثمن باهظا.

ورقة المخالفة
تقول لنا الأم وهي تمسك بورقة تبدو قديمة مدموغة بختم أحمر يظهر واضحاً، "مسؤولو الحي قذفوا لنا ورقة المخالفة هذه بخمسة آلاف يوان (800 دولار) وذهبوا.. هذا مبلغ كبير لم نتمكن من دفعه بالطبع منذ عدة سنوات، كما تم فصلي أنا وزوجي من العمل بعد ولادة لي شوي عام 1994. ومنذ ذلك الحين، لم نتمكن من تسجيلها أو الحصول على بطاقة شخصية لها، وبالتالي، لم تتمكن من الالتحاق بالمدرسة.. إنني قلقة جدا على مستقبلها".

لي شوي شارفت على العشرين ولم تستطع إثبات وجودها بعد (الجزيرة)
لي شوي شارفت على العشرين ولم تستطع إثبات وجودها بعد (الجزيرة)

"أنت تفكر إذن أنت موجود".. هذه الحقيقة البديهية لا تنطبق على "لي شوي" فهي لا تكف عن التفكير، ومع هذا لم تستطع إثبات وجودها بعد ولن تستطيع. فالقانون ليس له أحاسيس ولا مشاعر وهو لا يسمع ولا يرى ولا يعترف إلا بالأوراق الثبوتية، وصاحبتنا لا سبيل لها لامتلاكها، والنتيجة أنها غير موجودة من وجهة نظر القانون. ولهذا بدأ الإحباط يراودها مؤخراً وتقول لنا "ما الفائدة من التعليم؟ وما الذي أستطيع أن أفعله؟ لن أتمكن من الانتساب إلى الجامعة، لن أستطيع أن أجد عملاً، حتى إذا أردت أن أسافر بالقطار أو بالطائرة من مدينة إلى أخرى فإنهم يطلبون البطاقة الشخصية.. إنني أخاف أن أبتعد عن البيت خشية أن يطالبني أحد بإبراز هويتي الشخصية".

لي شوي تقتل الوقت وتعد الأيام، تساعد أمها في تدبير شؤون المنزل، تقف في المطبخ المتواضع لتعد لأسرتها الطعام وبداخلها جذوة غضب متقدة، تنطفئ أحياناً عندما يلتئم شمل العائلة المتمردة لتتجرّع قسمتها لقمة حلوة رغم مرارة الحياة.

قصة "لي شوي" ليست وحيدة في بلد الطفل الواحد، فهناك كثيرون ممن يشاركونها هذا الهم تقدر أعدادهم بعشرة ملايين على أقل تقدير، ترفض أمهم الدولة الاعتراف بوجودهم، بل تعاقبهم بحرمانهم من حقوقهم كمواطنين، مثل حق التعليم وحق العمل وأكثر من ذلك حقهم في الوجود. وتقول لهم: في زمن اقتصاد السوق فإن المال وحده هو زينة الحياة الدنيا، أما البنون فهم فتنة وهم أعداء لكم فاحذروهم أو يكفيكم واحد منهم.

ودعناها ولسان حالها يقول: هذا جناه أبي عليَّ        وما جنيت على أحد.

المصدر : الجزيرة