تراجع ولادة الفتيات قرب المواقع النووية

كشفت دراسة حديثة عن وجود تراجع في ولادة الفتيات في المناطق المجاورة لمحطات توليد الطاقة النووية، كما أن الأطفال في هذه المناطق أكثر تعرضا للإصابة بمرض سرطان الدم. فما مدى صحة هذه الدراسة وما هي تفسيراتها؟

undefinedكشفت
دراسة حديثة عن وجود تراجع في ولادة الفتيات في المناطق المجاورة لمحطات توليد الطاقة النووية، كما أن الأطفال في هذه المناطق أكثر تعرضا للإصابة بمرض سرطان الدم. فما مدى صحة هذه الدراسة وما هي تفسيراتها؟

توفي الطفل رافاييل روتر الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات فقط،، بعد مرضه بسرطان الدم. وكان  رافاييل يسكن مع عائلته على بعد أربعة كيلومترات فقط من محطة غرندرميننغ لتوليد الطاقة النووية  جنوب ألمانيا، وهي أكبر محطة نووية في ألمانيا والتي قررت الحكومة إغلاقها في إطار خطتها لإيقاف توليد الطاقة النووية سنة 2021.

ولكن السؤال المطروح هو مدى مسؤولية النشاط الإشعاعي لمحطة الطاقة النووية في موت رافاييل؟ وهذا ما لم يتم إثباته بعد، بالرغم من أن عدداً من الدراسات والأبحاث أوضحت أن الأطفال القاطنين قرب محطات توليد الطاقة النووية أكثر عرضة للإصابة بالسرطان من بقية السكان بنسبة الضعف.

لكن علاقة الإشعاع النووي والإصابة بمرض سرطان الدم ليست اكتشافا جديدا، أما الجديد هو ما اكتشفه باحثون بمجال الصحة والبيئة في مركز هيلمهولتس بمدينة ميونيخ، حيث يعتقدون أن هناك علاقة بين السكن قرب المحطات النووية وجنس المواليد بهذه المناطق. واعتمدوا في أبحاثهم هذه على سجلات المواليد في بالمناطق فاكتشفوا أن نسبة ولادات الفتيات تراجعت بما يقارب واحد بالمائة، في مساحة تبعد بحوالي أربعين كيلومترا من المفاعل النووي، مقارنة مع غيرها من المناطق.

وصرح عالم الرياضيات البيولوجية الذي أجرى الدراسة هاغن شيرب أن استخدام الطاقة النووية بألمانيا وسويسرا أدى إلى عدم ولادة "ما بين عشرة آلاف وعشرين ألف فتاة"، لكن ليس هناك أي إثبات ما إذا كانت نسبة المواليد الذكور بهذه المناطق قد ارتفعت بالمقابل.

جدير بالذكر أن علاقة النشاط الإشعاعي بجنس المواليد ليس بالاكتشاف الجديد تماما، فعالم الوراثة  الأميركي هيرمان يوزيف ميلر حصل على جائزة نوبل سنة 1946 إثر اكتشافه لهذه العلاقة. وهذه التحولات بين نسب ولادة الأطفال من الجنسين تؤكدها أيضا التغيرات التي عرفتها المناطق المنكوبة باليابان في بنيتها السكانية بعد الحرب العالمية الثانية وكارثة تشرنوبيل.

وفي ألمانيا تم اكتشاف أكبر تراجع نسبة بولادة الفتيات، وفق دراسة شيرب، في ضواحي مخزن غورليبن للنفايات النووية، حيث لوحظ تراجع نسبة بولادة الفتيات ما بين 1996 و2010 بحوالي ألف فتاة.

يُذكر أن أهم الدراسات العالمية التي أجريت حول علاقة القرب من محطات توليد الطاقة النووية والإصابة بمرض السرطان، أجريت سنة 2007 بجامعة ماينز بألمانيا. ووفق هذه الدراسة، التي ركزت على الفترة ما بين 1980 و2003، فإن ما بين 120 و275 طفلا أصيبوا بمرض السرطان لأنهم يسكنون قرب محطات لتوليد الطاقة النووية، وتزيد الخطورة بالإصابة عند الأطفال دون الخامسة وخاصة في المساحة المحيطة بالمحطة بحوالي خمسة كيلومترات.

وأشرف على هذه الدراسة العالم الفيزيائي ألفريد كوربلاين الذي أجرى أبحاثا مماثلة أيضا في فرنسا وبريطانيا وسويسرا. وفي تصريح له، أكد كوربلاين أن كل الدراسات تثبت الانعكاسات الصحية الوخيمة للمحطات النووية، خاصة على الأطفال. وأضاف "خطر الإصابة بمرض سرطان الدم عند الأطفال يرتفع بسبب القرب من المحطات النووية".

وبالرغم من كل هذه الأبحاث والدراسات والإحصاءات، تبقى هناك تساؤلات حول مدى صحتها. فالكثير من علماء الإشعاعات لم يستطيعوا إثبات علاقة مباشرة بين ارتفاع خطورة الإصابة بالسرطان والقرب من المحطات النووية. فوفق تقدير المفوضية الألمانية للحماية من خطر الإشعاعات، فإن نسبة الإشعاعات يجب أن تكون أقوى بألف مرة حتى يمكن إثبات هذه العلاقة وتفسيرها.

تغيير المواد المشتعلة قد يكون السبب، وهو ما دفع كوربلاين لتعميق أبحاثه، وعندها اكتشف أن عند عملية تغيير المواد المشتعلة تتسرب نسبة كبيرة من المواد الإشعاعية عبر المداخن في مدة قصيرة، وعندما تقابل هذه الإشعاعات أجساما ضعيفة أو في طور النمو مثل الجنين فإن خطورة الإصابة بالسرطان تصبح عالية. وهكذا يفسر كوربلاين ارتفاع  عدد المصابين بمرض سرطان الدم بالمناطق المجاورة للمفاعلات النووية، الشيء الذي يشاطره أيضا الطبيب والمتخصص في بيولوجيا الإشعاعات إيدموند ليغفيلدر.

هذه النتائج دفعت جمعية الأطباء العالمية لمنع الحرب النووية "IPPNW" إلى المطالبة  بتشديد إجراءات الحماية من خطر الإشعاعات النووية مع زيادة الأبحاث بهذا الخصوص. وقد أكد منتدى الطاقة النووية والمكتب الفدرالي للحماية من الإشعاعات أنها تأخذ هذه النتائج بعين الاعتبار، وهي مستعدة للمساهمة بدراسات أخرى من هذا القبيل، لكنها لا تجد نفسها مضطرة لاتخاذ إجراءات وقائية.

المصدر : دويتشه فيله