عميان مبصرون ببكين

قاعة السينما صغيرة وبسيطة لكنها مكتظة

وانغ وي لي يصف مشاهد فيلم سينمائي لزبائنه من المكفوفين

عزت شحرور-بكين

باع وانغ وي لي سيارته واستخدم كل مدخراته بل واستدان من والديه لتنفيذ مشروعه الحالي ومشاريعه القادمة التي يعتبرها رسالته في الحياة.

المشروع عبارة عن سينما من نوع آخر، اختار لها مكانا غريبا في أحد الأزقة الهادئة بعيدا عن دور اللهو والأسواق الصاخبة والأضواء الملونة.. "دار رباعية" كما تسمى هنا (وهي البيوت التقليدية الصينية القديمة).

زرناها فوجدناها بلا شباك تذاكر ولم نلاحظ على مدخلها أي ملصقات دعائية للترويج للأفلام المعروضة أو لأبطالها.

قاعة العرض هذه لا تتجاوز مساحتها 20 مترا مربعا لكنها مكتظة.. لا تُطفأ فيها الأضواء، بل إنها خالية حتى من الستائر ومشرعة للنور دوما.. تضم فقط بضعة كراس وجهاز تلفزيون مسطحا بحجم 52 بوصة كشاشة للعرض وجهاز عرض "دي في دي".. هذا كل شيء.

الزبائن يستمعون لوصف أحد الأفلام
الزبائن يستمعون لوصف أحد الأفلام

سينما خاصة
هذا كل ما يحتاجه وانغ لهذه السينما الخاصة بنوع محدد من الزبائن. هو يسميهم ضيوفه ويقصدونه من أحياء بعيدة في العاصمة الصينية المترامية الأطراف.

قال لنا أحدهم إنه يحتاج إلى أكثر من ساعة وإلى تغيير ثلاث حافلات نقل داخلي للوصول إلى السينما.. فهي الوحيدة من نوعها في المدينة، بل هي الأولى في الصين.

الزبائن يشتركون بأنهم جميعا من عشاق الفن السابع، لكنها ليست الصفة الوحيدة التي تجمعهم، إذ إنهم جميعا يستمتعون بالاستماع للأفلام وليس بمشاهدتها.. إنهم ممن يرون بقلوبهم أو يبصرون ببصائرهم بعد أن حرموا من نعمة البصر لكنهم يصرون على أن يكونوا أصدقاء للنور وللحياة.

يبدأ العرض لهذا اليوم.. أحد الأفلام الأميركية.. ويبدأ وانغ بالوصف تماما كما يفعل معلقو كرة القدم.

"تقف ليندا على يمين الغرفة.. إنها فتاة رائعة الجمال.. شعرها أشقر قصير وعيناها واسعتان وترتدي قميصا أسود يضفي عليها المزيد من الجمال.. يدخل سام حاملا باقة أزهار حمراء.. لكن يبدو عليه التوتر".

هكذا يواصل وانغ وصف المشاهد الصامتة والألوان والحركات وتفاصيل المكان وكل ما لا يستطيع مشاهدوه أو بالأحرى مستمعوه رؤيته، فيجعلهم يحسون به ويتفاعلون بكل أحاسيسهم مع أحداث الفيلم كأنهم يعيشونها.

فرحة وانغ

الابتسامة تعلو وجه إحدى المكفوفات في تفاعل مع وصف وانغ
الابتسامة تعلو وجه إحدى المكفوفات في تفاعل مع وصف وانغ

تغمر الفرحة وانغ في كل مرة يرى فيها الابتسامات تعلو الوجوه، ويتأكد أنه حقق ما أراد.. يبتسم هو أيضا راضيا.. وهو يعلم أنهم لا يرون ابتسامته، لكنهم يشعرون بها.

وتأتي النهاية سريعا.. لكنها بالنسبة لصاحب المشروع ما هي إلا مجرد بداية صعبة، فهو يخطط أيضا لإنشاء مكتبة رقمية للكتب والأفلام وكذلك إذاعة. وكل ذلك لكفكفة دموع المكفوفين.

لكن ما يقلقه هو أن يده وحدها لن تصفق كثيرا، ويطالب الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني بالتدخل السريع لإدماج المكفوفين بشكل كامل في المجتمع.

وتشير الإحصاءات إلى أنه مع انقضاء كل دقيقة يكون ضرير جديد قد انضم إلى قائمة المكفوفين بالصين، حيث يعاني أكثر من 20 مليون صيني من فقدان البصر بشكل كلي أو جزئي، أي حوالي 20% من مكفوفي العالم. ويحذر خبراء من أن هذا العدد قد يصل إلى 50 مليونا بحلول العام 2020.

يتحول الصمت والإصغاء الذي ساد طوال فترة عرض الفيلم إلى ضجيج وثرثرة حول أحداث الفيلم.

بعد انتهاء العرض نقترب من إحدى السيدات الحاضرات لنسمع رأيها في هذه السينما الفريدة من نوعها فتقول "قبل عدة سنوات وقبل افتتاح هذه السينما ذهبت إلى صالة عرض عادية لحضور أحد الأفلام التي أثارت جدلا في ذلك الوقت. لم أفهم الفيلم في المرة الأولى لكثرة المقاطع الصامتة فيه، فكررت المحاولة مرة أخرى واضطررت أن أسأل أحد المشاهدين إلى جانبي كي يشرح لي الفيلم.. كان لطيفا بما فيه الكفاية ليجيب على كل أسئلتي".

وتضيف السيدة الوقورة بصوت باتت تغلبه حشرجة واضحة "نحن جزء من هذا المجتمع ومن حقنا أن نتأثر ونؤثر فيه ونتفاعل معه.. وهذه السينما قدمت لنا جزءا مما نصبو إليه ".

وتنهي حديثها بالقول "أليست الأفلام السينمائية انعكاسا للواقع؟"، وتجيب "بالطبع هي كذلك أو إن شئت فالحياة ذاتها ما هي إلا مجرد فيلم طويل وصاحبه أو بطله وليس المخرج هو من يحدد طبيعته وكيف ستكون نهايته سعيدة أم تراجيدية".

المصدر : الجزيرة