"البابور".. جزء من تاريخ الناصرة

محتويات البابور في الناصرة داخل أراضي 48

وديع عواودة-الناصرة

"البابور" في مدينة الناصرة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948, طاحون تاريخي مضى عليه مائة عام, ولا يزال يقدم خدمات صحية وغذائية فريدة لأهالي الجليل, ويساهم في حفظ ثقافتهم العربية الإسلامية.

تم إنشاء البابور في البلدة القديمة خلال الحكم العثماني لفلسطين على يد عائلة ألمانية, وكان يقدم خدمات الطحن, والتخزين لفلاحي المنطقة.

يتألف البابور القائم في عمارة زراعية عمرها 250 عاما من ست غرف مبنية على الطراز المعماري العثماني (العقود), وساحة أمامية, وأخرى خلفية. وأقيمت أبواب عملاقة للبابور ليتمكن الرواد وبهائمهم المحملة بالغلال من دخوله, وفي ساحته توجد بئر, وفرن عربي قديم.


undefinedتواصل ثقافي
وبعد بدء الاحتلال الإنجليزي لفلسطين غادر المؤسسون الألمان, وعندها بادر مواطن نصراوي يدعى جرجورة قنازع باستئجار المكان عام 1911.

ويشرح المؤرخ المتخصص في التاريخ الفلسطيني البروفسور مصطفى كبها, أن بابور الناصرة منذ ذلك العهد يعمل بوصفه مطحنة تراثية فولكلورية طالما شكلت واحدا من محاور حياة الفلاح الفلسطيني الذي ارتبطت حياته بالأرض ومحاصيلها.

وقال كبها للجزيرة نت إن البابور لعب دورا اجتماعيا هاما في تواصل الناس مع سكان المنطقة.

وأضاف أن الرواد يستغلون انتظار دورهم للتعارف من أجل الصداقة, والنسب, وعقد الصفقات مما يعني أن البابور شكل منتدى اجتماعيا مركزيا أيضا.

وذكر كبها أن البابور, أو "الوابور" في روايات شفوية أخرى، تعني الطاحون وتعني القطار والسفينة التي تعمل بالطاقة البخارية. وينوه إلى أنها كلمة فرنسية تعني المحرك البخاري تم اعتمادها في لغة الضاد, ووردت في رواياتهم وأغانيهم وغنى الراحل محمد عبد الوهاب أغنيته الشهيرة "يا وابور قللي رايح على فين".

طوني قنازع (الجزيرة نت)
طوني قنازع (الجزيرة نت)

من جهته, قال طوني قنازع إن جده استورد مطاحن حديثة من أوروبا  وإن والده إيليا قنازع واصل إدارة المطحنة, وحوّل طريقة عملها من الطاقة البخارية إلى الديزل قبل اعتماد الكهرباء.

طوني, الذي يدير اليوم البابور وشقيقه جرجورة بمساعدة الأحفاد, يقول إن أهالي الناصرة وسائر الجليل يرتادون البابور لطحن محاصيلهم المختلفة كالقمح والزعتر، ومنه يقتنون البهارات، والأعلاف، والزيوت الطبية, والحبوب على أنواعها.

كما يرتاده طلاب المدارس في إطار التربية الاجتماعية للتواصل مع تراث الأجداد والثقافة العربية الإسلامية في مجال الغذاء والدواء.

أصناف بالمئات
ويضم البابور نحو 1500 صنف من الأعشاب، والبهارات، والزيوت العطرية الطبية, والحبوب, والقطانة. ويوضح قنازع أن البابور خزانة لكل ما عرفته الحضارة العربية الإسلامية في مجال الطعام, والتداوي, والعطارة, مشيرا إلى زيادة إقبال الناس اليوم على البابور لاقتناء معروضاته الفولكلورية.

ويضيف قنازع أن العامة يبحثون عن أغذية وزيوت تدرأ عنهم مخاطر السكري, وضغط الدم, وأوجاع المعدة, وهو في رأيه "صيدلية" لا تشكّل بديلا  للطب الحديث, بل تكمله أحيانا.

عودة للطبيعة
ويتحدث طوني قنازع عن عودة الناس إلى الطبيعة والمنتوجات "البلدية" غير المصنعة منذ حوالي 15 عاما بفضل زيادة الوعي بحيوية الغذاء السليم، ويعزو ذلك إلى انتشار الأمراض وتزايد الوعي الصحي.

وقال إن ذلك يعبّر أيضا عن الحنين للماضي. فرواد المكان يحنون لأيام خلت ميزتها البساطة والغذاء المفيد, ولما يعبّر عن هويتهم وثقافتهم العربية الإسلامية. وتابع "كل يوم أسمع الزوار يقولون: سقا الله أيام زمان".

يستورد البابور بضاعته من داخل فلسطين, ومن كافة أنحاء العالم, وأصبح اليوم مرفقا سياحيا يزوره السائحون من كافة البلدان.

undefinedويضم البابور حوالي 1500 نوع من الغذاء والدواء الشعبي, والعطر, والزيت, زيادة على الأعشاب, والحبوب الفريدة كالكينوا (من أنواع الذرة), وهي حبوب يستعين بها النباتيون لغناها بالبروتينات، واللوبية المكحلة، وخشب الراوند، والعدس الأسود، وحامض فارسي أبيض، والصويا الشيح، وورق الزعرور, والأورجانو اللافندر وغيرها.

تثبيت الهوية
أما المدير العام لجمعية "الجليل" للبحوث الصحية بكر عواودة فيؤكد أن البابور مرفق هام يساعد في العودة إلى تقاليد الطعام الفلسطينية القائمة على المصادر النباتية والحبوب, وذلك بدافع صحي, وسياسي لأن الطعام من مقومات الهوية الفلسطينية في مواجهة التهويد.

وتابع "بالعودة إلى موروثنا الغذائي الوطني, وترشيد الاستهلاك, يمكن التقليل من حدة مشكلة الأمن الغذائي, وأيضا التقليل من الأمراض المزمنة المرتبطة بنوعية الغذاء ومصدره".

المصدر : الجزيرة