مسحراتي في نيويورك!

حتى نيويورك بدأت تعرف المسحراتي في شهر رمضان, وما لبث سكانها على اختلاف عقائدهم ومللهم وألوانهم أن تكيفوا مع هذا الواقع بعدما كان بعضهم يجأر بالشكوى منه.

وفي مؤشر على كبر حجم الجالية المسلمة في أكبر مركز تجاري في العالم، أفردت صحيفة نيويورك تايمز الذائعة الصيت تقريرا صحفيا لرصد ظاهرة اختص بها العالم الإسلامي دون سواه, وهي ظاهرة المسحراتي الذي يجوب أطراف المدينة لإيقاظ مسلميها كي يتناولوا وجبة سحورهم استعدادا ليوم صوم جديد.

ففي حي بروكلين بالمدينة, دأب رجل مسلم في منتصف العمر على النهوض من فراشه قبل سويعات من انبلاج فجر يوم جديد, مرتديا جلباباً أحمر ومعتمرا عمامة حمراء.

وبينما يغط معظم سكان المدينة في نوم عميق, يستقل محمد بوتا سيارته قاطعا المسافة من مسكنه في بروكلين إلى أحد أحياء المدينة الأخرى في ربع الساعة.

وهناك يخرج طبلته ليبدأ في قرعها وهو يجوب أرصفة الشوارع دون كلل.. هكذا طوال شهر الصيام.

غير أن مدينة نيويورك التي عُُرفت بتقبلها لكل المظاهر الثقافية على اختلاف تقاليدها, كانت تضيق ذرعا بالمسحراتي محمد بوتا (53 عاما) الذي قدم إلى المدينة مهاجرا عام 1992.

وكان بوتا –سائق التاكسي الباكستاني- يتجول بحرية عندما بدأ مهمته كمسحراتي في بروكلين عام 2002.

ويعود بوتا بذاكرته إلى ذلك التاريخ قائلا إن التجربة لم تثر أحدا في حينها, حيث كان الناس يتطلعون من نوافذ شققهم ليصرخوا في وجهه محتجين, أو يستدعوا الشرطة التي تنصحه بلطف لمغادرة المكان.

وبمرور السنوات, ولما مُنع من قرع طبلته في حي تلو حي, قصر بوتا نشاطه على حي يقطنه العديد من الباكستانيين.

ولما خاف أن يمنع كذلك من إيقاظ المسلمين فيه, اهتدى بوتا إلى طريقة جديدة, وهي قرع الطبل قرعا أخف مما اعتاد عليه ولمدة تتراوح ما بين 15 و20 ثانية فقط في كل موقع.. وما لبثت أن توقفت الشكاوى.

يقول بوتا "أتدري؟ في الولايات المتحدة لا يمكنك القيام بأي شيء بدون تصريح، وأنا لا أريد إزعاج أبناء الطوائف الأخرى, بل الباكستانيين وحدهم".

وتشير الصحيفة إلى أن اختراع الساعة المنبهة غطى على عمل المسحراتي رغم الإقرار بأهميته.

ورغم كل التحديات والمقاومة التي يواجهها, فإن بوتا مستمر في عمله كمسحراتي كي يظل هذا التقليد باقيا إشباعا لرغبة مواطنيه الذين يترقبون مجيئه كل فجر.