أبناء طرابلس يحلمون بذهب "فكتوريا"

7البارجة فيكتوريا من أرشيف فرنسيس
البارجة فكتوريا قبل غرقها (صورة من أرشيف الغطاس كريستيان فرنسيس)

نقولا طعمة-طرابلس

 
بكل صلافة القوي والمتجبّر، دخلت ميناء طرابلس شمالي لبنان سنة 1893، 12 بارجة حربية من الأسطول البريطاني يوم لم تكن الشمس تغيب عن أراضي الإمبراطورية.
 
صفان من البوارج يتباعدان 1200 ياردة، تقدمت الصف الأول البارجة "فكتوريا" -أكبر بارجة حربية في عصرها، طولها 110 أمتار- بينما تقدمت الصف الثاني المدمرة "كامبرداون".
 
وفي عملية استعراض، كان على البارجتين أن تلتفا للمناورة في مسافة قصيرة. ثمة إشكال وقع في تنفيذ الأوامر من القيادة العليا وسط اعتراض ضباط القيادة الذين رضخوا للأوامر العسكرية، فصدمت "كامبرداون" "فكتوريا" محدثة فيها ثقبا كبيرا تدفقت المياه فيه بقوة كافية لإغراق البارجة العملاقة وعلى متنها 358 بحارا.
 
وتناقل أجيال المدينة الحدث الكبير عن آبائهم. رصدوا موقع البارجة، وارتادوا نقطة غرقها، محاولين الحصول على الأشياء الغارقة معها، أبرزها ما قيل عن كنز ذهب.
 
ونقلت مجلة "أهل النفط" الصادرة عن شركة نفط العراق بإدارة بريطانية سنة 1956 حديثا لقنصل أميركا في طرابلس في تلك الفترة الدكتور هارس قال فيه إن "البارجة كانت تقل ثروة ضخمة من الذهب تسلمتها قبل يوم من البنك العثماني قيمتها 50 ألف ليرة إنجليزية ذهب كنفقات الوحدات ورواتب الجنود في هذه الرحلة". 
 
وروى الغطّاس المقعد من أبناء الميناء جورج رطل للجزيرة نت نقلا عن الآباء والأجداد أن "فكتوريا كانت تموّل الأسطول البحري البريطاني، وضربت خلال مناورة عسكرية قرب جزر النخل على مسافة 5.5 كلم من الشاطئ. وأقيمت للبحارة المتوفين فيها مدافن لا تزال قائمة في المدينة حتى اليوم.
 

الغطاس المقعد جورج رطل (الجزيرة نت)
الغطاس المقعد جورج رطل (الجزيرة نت)

موقعها وارتيادها
لم يبق حيّ من الجيل الذي عاصر الحدث، ويتناقل الأبناء والأحفاد أخبار البارجة، فيقول البحار عصام الصيداوي للجزيرة نت "والدي كان شيخ الصيادين، وأعطاني علامات موقعها من البرّ على الطريقة التي يحدّد الصيادون فيها نقط البحر.
 
وأكد رطل المعلومة وأضاف أن البحارة والصيادين "كانوا يرتادون موقعها محاولين استخراج أشياء منها رغم تعذّر الوصول إليها بسبب عمقها البالغ 140 مترا، وقال "أذكر أنهم استخرجوا جزمة وسلّما بواسطة خيط طويل لصنارة الصيد".
 
وروى البحار جورج توما للجزيرة نت، أن "البارجة حملت ذهبا، ونما فيها السمك الكبير، لذلك كنا نذهب إلى ناحيتها للصيد ونضرب شباكنا فوقها، ومرة أنزلت الخيط الطويل فشعرت بثقل غير اعتيادي تبين لي أنه مجموعة متفككة من البارجة علقت في الخيط".
 
وذكر رطل أن "البحارة كانوا يقصدون موقع البارجة لصيد أسماك الجربيدي واللقّز الكبيرة بزنة 5 إلى 25 كلغ، وكان البعض يرمي بالديناميت عليها للحصول على السمك، فتهشّمت".

الغطاس كريستيان فرنسيس (الجزيرة نت)
الغطاس كريستيان فرنسيس (الجزيرة نت)

اكتشافها الرسمي 
وفي سنة 2004، أعلن رئيس "النادي اللبناني للغطس" كريستيان فرنسيس بمؤتمر صحفي اكتشاف البارجة "بعد بحث استمر ثماني سنوات في الأرشيف البريطاني".

 
لكن الصيداوي ذكر أنه وعددا من بحارة الميناء، ساهموا في تحديد موقع البارجة مع فرنسيس الذي حصل على معدات مكّنته من الوصول إليها، وكشفها وتصويرها، وعند اكتشافها وصف وضعيّتها كما وصفناها له".
 
وروى فرنسيس للجزيرة نت، أن "المفاجأة الكبرى لدى اكتشافنا لها أن حطامها كان واقفا، ومقدمتها غاطسة لعمق 40 مترا في الطمي الذي ينقله نهر أبو علي إلى البحر، مما ثبّتها في مكانها". وذكر أن "الجزء البارز منها يبلغ سبعين مترا ولا تزال عليه المدافع وموجودات أخرى".
 
وتحدّث عن أهميتها بالنسبة للتاريخ البحري البريطاني، فقال إنه "عندما غرقت كانت كارثة وطنية للأمبراطورية البريطانية التي لم تكن تتوقع غرق أهم بارجة لديها، في العالم يومئذ. فقد خسروها في 13 دقيقة".
 
وذكر أن موقعها الحالي هو على عمق 140 مترا، ويبعد عشرة كيلومترات عن البرّ، وبضع مئات من الأمتار عن مكان إصابتها".  
المصدر : الجزيرة