الهموم تطيح بمائدة العراقيين التقليدية

بائع السمك المسكوف انتقل إلى الشوارع وهجر أبو نواس- فاضل مشعل ــ بغــداد
بائع السمك المسكوف لم يعد يجد الزبائن كما في السابق (الجزيرة نت)

فاضل مشعل-بغداد

 
تخلت النساء في العراق عن لف المحشي -الدولمة- وابتعدن عن ترك رأس الخروف منتصف ليل الخميس على بصيص النار لغداء الجمعة، ولم يعد أحد يتردد على باعة السمك –المسكوف- في شارع أبي نواس، وتقطعت السبل بأهل الكرادة لتناول المشويات في مطاعم الأعظمية، وأغلقت مطاعم الثريد والقوزي في بغداد وحلت الهموم محلها.
 
الحاج جعفر البناء حبس دموعه وهو يستذكر ما مضى قائلا "ليست أصناف الطعام فقط هي التي اختفت, الذي اختفى هو الفرح والسعادة. الذي اختفى هو جمع الأحبة حول المائدة. ولدي حميد فقد في انفجار الصدرية قبل عام ولم نعثر حتى على قطعة واحدة من جسده. أخي عادل معتقل في سجن بوكا الأميركي جنوب البصرة منذ سنة ونصف السنة حيث تمنع الزيارات نهائيا. جيراني وأصدقائي تفرقوا" ثم أجهش الحاج بالبكاء وهو يواصل سرد ذكرياته.
 
أما خليل الحسناوي -صاحب مطعم شرق منطقة الكرادة- فما زال يقدم أصناف الطعام القديمة، ويقول الحسناوي "هي مأكولات تحمل نفس الأسماء القديمة "الطرشانة"، "القيسي"، "القوزي"، "القيمة"، "تشريب الباقلاء بالسمن البلدي"، ولكن مضمونها اختلف اختلافا كبيرا إذ لم نعد نستخدم اللحم العراقي المعروف, صرنا في معظم الأحيان نستخدم أنواعا من اللحوم المستوردة التي لا تحمل نكهة وطعم لحم العراق، وصرنا نقلل من كمية الطعام في الوجبة الواحدة مقابل رفع أسعار كل الأصناف إلى ثلاثة أضعاف".
 
الخوف من المجهول أحد أسباب خلو المحال من الزبائن (الجزيرة نت)
الخوف من المجهول أحد أسباب خلو المحال من الزبائن (الجزيرة نت)

وأغلق مطعم علي شيش -المتخصص بتقديم الدجاج المشوي- أبوابه، كما أغلق أبوابه أيضا مطعم الشبوط المتخصص بتقديم وجبات من أنواع الأسماك, وتبعهما العشرات من أشهر المطاعم البغدادية التقليدية المتخصصة بتقديم وجبات الطعام المكون من أنواع  الرز العنبر والحساء المعد من لحوم الخراف الصغيرة: "تاجران"، "ابن سمينة" "الشباب"، "عنجر"، وكذلك جميع مطاعم  السمك –المسكوف- المنتشرة منذ عدة عقود في شارع أبي نواس الذي يحتل الضفة الرصافية من نهر دجلة.

 
ويفسر الحاج علي -أشهر قصاب بغدادي مازال على قيد الحياة- سبب عزوف زبائنه من بيوت بغداد المعروفة وكذلك المئات من المطاعم عن شراء اللحوم من محله بقوله "الناس معها حق فقد تراجع اهتمام الناس بالطعام وأصنافه وتذوقه، وأصبح اهتمام الإنسان البغدادي الأول هو كيف ينجو من الموت اليوم وأي طريق يسلك كي لا يمر بسلسلة نقاط التفتيش، وأي منطقة في العاصمة مرشحة هذا اليوم لانفجار، تلك هي الهموم التي صارت تعلو مائدة الطعام لدى أهل بغداد خاصة. أما نحن القصابون فصار عسيرا علينا جلب اللحوم من مجازر الذبح المصرح بها بسبب المخاطر والزحام الذي هو من متطلبات الأمن المزعجة". 
 
وقال عطو كوركيس -وهو مواطن عراقي- لم تكتف الهموم التي هاجمت العراقيين بضراوة -بحسب عطو- بالإطاحة بمطاعم بغداد التقليدية "فالمطاعم الكبرى التي تقدم أصناف  الطعام الغربي في منطقة المسبح الراقية أغلقت أبوابها أيضا منذ أن هاجم الانتحاريون مطعمي شاهين ونبيل. ليس هناك مزاج للعمل السياحي بسبب التفجيرات".
المصدر : الجزيرة