"رصاصة" ترامب التي "أنهت" بايدن وأنعشت الحزب الديمقراطي
حادت الرصاصة التي أطلقها الشاب توماس كروكس نحو رأس المرشح الجمهوري دونالد ترامب (78 عاما)، لكنها أصابت قلب الحزب الديمقراطي وحظوظ مرشحه (السابق) للانتخابات جو بايدن (82 عاما) فأقصته عن المنافسة على الرئاسة، لكن ترامب يخشى أن ينتهي مفعول تلك الرصاصة بغياب الرجل الذي بنى عليه حملته الانتخابية وربما حظوظه في الوصل إلى البيت الأبيض.
وبالإضافة إلى الشكوك الكثيرة في جدارة بايدن ودعوات من أعضاء بالحزب الديمقراطي بالانسحاب، يشير محللون إلى أن الرصاصات التي استهدفت دونالد ترامب وأدت إلى ارتفاع كبير في شعبية أجهضت نهائيا حظوظ بايدن في الفوز، وأقنعته في النهاية تحت الضغط بالانسحاب.
وشكلت حادثة محاولة الاغتيال رجّة شديدة في المشهد السياسي الأميركي، في واقع يشهد "شيخوخة" في أعلى هرم السلطة وخصوصا في الحزب الديمقراطي، الذي أدرك أيضا أن تلك الحادثة وتداعياتها واستثمارها سياسيا من قبل ترامب والحزب الجمهوري، أجهضت أي حظوظ للحزب في الرئاسة مع وجود بايدن مرشحا.
وفي المقابل أذكت بشكل كبير حملة لدى جزء كبير من أعضاء الحزب الديمقراطي تدعو لتعيين مرشّح بديل لبايدن، وتعتبر أن إعادة إحياء حظوظ الحزب ومرشحه تكمن في إزاحته.
وكان بايدن عمليا مترنحا في خطواته نحو البيت الأبيض وقد تراكمت المطبات أمامه، وقد أسس دونالد ترامب جوهر حملته على مهاجمة المرشح الديمقراطي بزلاته وتلعثمه وأخطائه وعثراته، وهزمه بسهولة في أول مناظرة بدا فيها الرئيس بايدن "تائها"، وهذا ما أثار الجدل في الحزب الديمقراطي نفسه عن مدى أهلية رئيسه ومرشحه الذهنية والجسدية للترشّح للرئاسة.
ومنحت محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها ترامب في بنسلفانيا قوة دفع هائلة له ولحملته، بدت واضحة في خطابه بولاية ميشيغان، بصحبة نائبه السيناتور جي دي فانس، فقد رتبت حملة ترامب والحزب الجمهوري أوراقها القوية نحو البيت الأبيض بناء على شيخوخة بايدن ولاحقا على حادثة اغتيال بدت وكأنها هدية من السماء أكثر منها محنة، قبل يخلط انسحاب بايدن الأوراق.

انهيار "المرافعة"
شبه بعض المحللين دونالد ترامب والحزب الجمهوري بمثابة مكتب المحاماة الذي بنى مرافعته على أساس شهادة ما؛ تم التراجع فيها في آخر لحظة، فسقط الادعاء. فقد كانت شيخوخة منافسه بايدن والشكوك حول عجزه وزلاته وأخطائه الكثيرة محور إستراتيجية ترامب، الذي لم يوفر أي مقطع فيديو أو صورة أو لقطة تثبت ذلك، وبانسحاب بايدن يفقد ترامب وفريق حملته أهم عناصر "الدفاع"، أو أسس الحملة الانتخابية.
وحول تأثيرات انسحاب بايدن، يقول هنري أولسن المحلل السياسي في مركز "إثيكس أند بابلك بوليسي" إن "هذا نبأ سيئ لترامب.. كان من الأفضل أن يخوض الانتخابات ضده (بايدن) بدلا من أي منافس محتمل آخر".
وأفقد انسحاب بايدن الورقة الأهم لترامب في حملته، ومن الصعب -وفق محللين- أن يواصل أسلوب هجومه الناجح والصاخب والهازئ أحيانا مع أي مرشح ديمقراطي آخر، بل سيكون عامل السن سلاحا ضده مع أي من المرشحين المحتملين للحزب الديمقراطي، ويرجح أن تكون نائبة الرئيس كامالا هاريس (59 عاما) المدعومة من بايدن نفسه.

لم يعد الطريق سالكا
بدأت حملة ترامب الهجوم مبكرا على هاريس المرشحة المحتملة وذكرت في بيان أنها "ستكون أسوأ بالنسبة لشعبنا من جو بايدن.. إنهما يملكان سجلات بعضهما البعض، ولا يوجد اختلاف بين الاثنين".
وسبق لدونالد ترامب أن خاض انتخابات عام 2016 ضد مرشحة الحزب الديمقراطي آنذاك هيلاري كلينتون (76 عاما) وتفوق في النتائج النهائية، وتطرح بعض الأوساط أيضا المرشحة السابقة كمرشح بديل محتمل.
واستقبل الكثيرين من أنصار الحزب الديمقراطي بإيجابية مقال رأي في صحيفة "ذي هيل" (20 يوليو/تموز) بعنوان "مستعدون للجولة الثانية: لماذا نحتاج إلى هيلاري أكثر من أي وقت مضى؟" يرى فيه كابه بابلو أوهانا أن "الحجة الأقوى ضد استبدال الرئيس جو بايدن كمرشح الحزب الديمقراطي لعام 2024 هي فكرة عدم وجود خليفة مناسب، لكن هناك خليفة ليس مجرد جيد؛ بل أحد أكثر الأشخاص تأهيلا على الإطلاق للترشح لهذا المنصب؛ هيلاري رودهام كلينتون".
لكن يبدو خيار كلينتون مستبعدا، وينتظر أن تكون هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي في "المؤتمر الوطني" بين 19 و22 أغسطس/آب المقبل في شيكاغو، لا سيما بعد أن أعلن بايدن تأييده لها، وتغيير حملته باسمها رسميا ومساندة أغلب قيادات الحزب لها.
وقبل إعلان المرشح الديمقراطي رسميا، يعكف ترامب والحزب الجمهوري على مراجعة إستراتيجية حملته بعد أن فقد أهم أوراقها بانسحاب بايدن، وفي مواجهة ما يبدو أنه "إعادة انبعاث" لآمال الديمقراطيين، ليواجه بذلك ثاني امرأة كمافس على الرئاسة بعد هيلاري كلينتون عام 2016.
وفق استطلاعات الرأي، لطالما تمتع ترامب بأفضلية ضد المرشحين المفترضين من الحزب الديمقراطي، لكن استطلاع حديث يشير إلى أن كامالا هاريس ستحقق ضده نتائج أفضل من بايدن في ولايات حاسمة مثل ميشغان وبنسلفانيا، كما أن قوة الدفع التي شكلها انسحاب بايدن تعيد الروح إلى الديمقراطيين وتحثهم على أداء أفضل.
ورغم أن ترامب سيركز في حملته على أن كامالا هاريس نائبة الرئيس شاركت بايدن في كل خطواته وسياساته و"فشله"، إلا أن التقديرات والاستطلاعات تشير إلى قدرتها على جذب المزيد من الناخبات اللواتي يصوتن تاريخيا أكثر من الرجال، ويمثلن عنصر ضعف في أداء الحزب الجمهوري.
كما يواجه ترامب عدة قضايا جنائية، وحوكم مرتين العام الجاري وتم توجيه الاتهام في 4 قضايا، إلا أن المحكمة الأميركية العليا منحته "حصانة جزئية"، من الملاحقة القضائية بصفته رئيسا سابقا، لكن الناخب الأميركي الذي كان يميل لترامب على حساب بايدن، عطفا على شيخوته، لن يكون مضطرا لهذه المقارنات مع مرشح ديمقراطي أصغر سنا وأكثر حيوية.
ومنحت "رصاصة بنسلفانيا" الطائشة زخما لحملة ترامب الرئاسية، لكنه يخسر نقاطا في غياب "مرشحه المفضل"، في حين تكتسب الحملة الديمقراطية حيوية بعد انسحاب بايدن، وقد يجد المرشح الجمهوري نفسه أيضا في مواجهة إغراء انتخابي بأن تكون هاريس أول رئيسة للولايات المتحدة، ومن أصل أفريقي وآسيوي. ويبقى السباق إلى البيت الأبيض غير محسوم -وفق المحللين- بقطع النظر عمن سيخلف بايدن فيه من الديمقراطيين.